﴿ثم صَدَقْناهم الوعد﴾ بالنصر وإهلاك أعدائهم، وهو عطف على ما يُفْهَمُ من وحيه تعالى إليهم، كأنه قيل : أوحينا إليهم ما أوحينا، ثم صدقناهم في الوعد، الذي وعدناهم في تضاعيف الوحي، بإهلاك أعدائهم، ﴿فأنجيناهم ومَنْ نشاء﴾ من المؤمنين وغيرهم، ممن تستدعي الحكمة إبقاءه، كمن سَيُؤمن هو أو بعض فروعه، وهو السر في حماية العرب من عذاب الاستئصال. أو يخص هذا العموم بغير نبي الرحمة ﷺ ؛ فإن أمته لا تستأصل، وإن بقي فيها من يكفر بالله ؛ لعل الله يُخرج من أصلابهم من يُوحد الله تعالى. ﴿وأهلكنا المسرفين﴾ أي : المجاوزين الحد في الكفر والمعاصي.
ولمّا ذكر برهان حَقِّيَّةِ الرسول - عليه الصلاة والسلام - ذكر حقية القرآن المنزل عليه، الذي ذكر في صدر السورة إعراض الناس عما يأتيهم من آياته، فقال :﴿لقد أنزلنا إِليكم﴾، صدّره بالقسم ؛ إظهارًا لمزيد الاعتناء بمضمونه، وإيذانًا بكون المخاطبين في أقصى مراتب التنكير، أي : والله لقد أنزلنا إليكم، يا معشر قريش، ﴿كتابًا﴾ عظيم الشأن نيّر البرهان. فالتنكير للتفخيم، أي : كتابًا جليل القدر ﴿فيه ذِكْرُكم﴾ أي : شرفكم وحسن صيتكم، كقوله تعالى :﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزّخرُف : ٤٤]، أو فيه تذكيركم
٣٣٠
وموعظتكم، أو ما تحتاجون إليه في أمر دينكم ودنياكم، أو ما تطالبون به حسن الذكر والثناء من مكارم الأخلاق، ﴿أفلا تعقلون﴾ فتتدبروا في معانيه حتى تُدركوا حقيته. فالهمزة للإنكار التوبيخي. وفيه حث لهم على التدبر في أمر الكتاب، والتأمل في تضاعيفه من فنون المواعظ والزواجر، التي من جملتها القوارع السابقة واللاحقة، والمعطوف : محذوف، أي : أَعَمِيَتْ بصائركم فلا تعقلون ؟ والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٩