ثم قال تعالى :﴿بل نقذفُ بالحق على الباطل﴾ أي : نرمي بالحق، الذي هو الجد، على الباطل، الذي من جملته اللهو، وهو إضراب عن اتخاذ الولد، بل عن إرادته، كأنه قيل : لكنا لا نريده، بل شأننا أن نقذف بالحق على الباطل ﴿فيدْمَغُه﴾ : فيمحقه بالكلية، كما فعلنا بأهل القُرى المحكية وأمثالهم، وقد استعير، لإيراد الحق على
٣٣٤
الباطل، القذف، الذي هو الرمي الشديد، وللباطل الدمغ، الذي هو تشتيت الدماغ وتزهيق الروح، فكأنَّ الباطل حيوان له دماغ، فإذا تشتت دماغه مات واضمحل، ﴿فإِذا هو زاهق﴾ أي : فإذا الباطل ذاهب بالكلية، متلاش عن أصله. وفي ﴿إذا﴾ الفجائية والجملة الاسمية من الدلالة على كمال السُرعة في الذهاب والبطلان ما لا يخفى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٣
ثم ردَّ على أهل الباطل فقال :﴿ولكم الويلُ مما تصفون﴾ أي : وقد استقر لكم الويل والهلاك ؛ من أجل ما تصفونه، سبحانه، بما لا يليق بشأنه الجليل، من الولد والزوجة، وغير ذلك مما هو باطل. وهو وعيد لقريش ومن دان دينهم، بأنَّ لهم أيضًا مثل ما لأولئك القرى المتقدمة من الهلاك، إن لم ينزجروا. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ما نصبت لك الكائنات لتراها كائنات، بل لتراها أنوارًا وتجليات، الأكوان ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته، فالغير والسِّوى عند أهل الحق باطل، والباطل لا يثبت مع الحق. قال تعالى :﴿بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق﴾. قال القشيري : نُدْخِلُ نهارَ التحقيق على ليالي الأوهام، أي : فتمحى، وتبقى شمس الأحدية ساطعة. هـ. وبالله التوفيق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٣