ولمّا برهن على وحدانيته تعالى في ملكه بأنه تعالى خلق جميع المخلوقات على منهاج الحكمة، وأنهم قاطبة تحت ملكه وقهره، وأنَّ عباده مذعنون لطاعته، ومثابرون على عبادته، ومنزهون له عن كل ما لا يليق بشأنه، أنكر على من أشرك معه بعد هذا البيان، فقال :﴿أم اتخذوا آلهة﴾ يعبدونها ﴿من الأرض﴾ أي : اتخذوها من جنس الأرض، أحجارًا وخشبًا، ﴿هم يُنْشِرُون﴾ أي : يبعثون الموتى. وهذا هو الذي يدور عليه الإنكار والتجهيل والتشنيع، لا نفس الاتخاذ، فإنه واقع لا محالة، أي : بل اتخذوا آلهة من الأرض، هم مع حقارتهم، ينشرون الموتى، كلا... فإن ما اتخذوها آلهة بمعزل من ذلك، وهم، وإن لم يقولوا بذلك صريحًا، لكنهم حيث ادعوا لها الألوهية، فكأنهم ادعوا لها الإنشار، ضرورة ؛ لأنه من خصائص الإلهية، ومعنى التخصيص في تقديم الضمير في :﴿هم يُنشِرون﴾ : التنبيه على كمال مباينة حالهم للإنشار، الموجبة لمزيد الإنكار، كما في قوله تعالى :﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ﴾ [إبراهيم : ١٠]. وفي قوله تعالى :﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ﴾ [التّوبَة : ٦٥]، فإنَّ تقديم الجار والمجرور ؛ للتنبيه على كمال مباينة أمره تعالى لأن يشك فيه ويستهزأ به.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٥