ثم بيَّن قوة عظمته وعز سلطانه القاهر، فقال :﴿لا يُسأل عما يَفعل﴾ أي : لا يمكن لأحد من مخلوقاته أن يناقشه أو يسأله عما يفعل ؛ هيبةً وإجلالاً، ﴿وهم يُسألون﴾ أي : وعباده يُسألون عما يفعلون، نقيرًا وقطميرًا ؛ لأنهم مملوكون له تعالى، مستعبدون، ففيه وعيد للكفرة، فالآية تتميم لقوله :﴿لاعبين﴾، بل خلقنا الأشياء كلها لحكمة، فمنها ما أدركتم حكمته، ومنها ما غاب عنكم، فكِلُوا أمره إلى الله، ولا تسألوه عما يفعل، فإنه لا يُسأل عن فعله، وأنتم تُسألون.
ثم قال تعالى :﴿أم اتخذوا من دونه آلهة﴾، هو إضراب وانتقال من إظهار بطلان كون ما اتخذوه آلهة ؛ بإظهار خلوها من خصائص الألوهية، التي من جملتها إنشار الموتى، وإقامة البرهان القاطع على استحالة تعد الإله، إلى إظهار بُطلان اتخاذهم تلك الآلهة، مع عرائها عن تلك الخصائص، وتبكيتهم بإلجائهم إلى إقامة البرهان على دعواهم الباطلة. والهمزة : لإنكار ما اتخذوه واستقباحه، أي : بل اتخذوا من دونه - أي : متجاوزين إياه تعالى، مع ظهور شؤونه الجليلة الموجبة لتفرده بالألوهية - آلهة، مع ظهور خلوهم عن خصوص الإلهية بالكلية.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٥
قلْ﴾ لهم، بطريق التبكيت :﴿هاتُوا برهانكم﴾ على ما تَدَّعونَه، من جهة العقل والنقل ؛ فإنه لا صحة لقول لا دليل عليه في الأمور الدينية، لا سيما في هذا الأمر الخطير، فإن بُهتوا فقل لهم :﴿هذا ذكر مَنْ معي وذكر مَنْ قبلي﴾ أي : بهذا نطقت الكتب السماوية قاطبة، وشهدت به سُنَّة الرسل المتقدمة كافة. فهذا الوحي الوارد في شأن التوحيد المتضمن للبرهان القاطع ﴿ذُكر من معي﴾ من أمتي، أي : عظتهم، ﴿وذكرُ مَن قبلي﴾ من الأمم السالفة، أي : بهذا أمَرنا ربُنا ووعظنا، وبه أمر مَنْ قبلنا، يعني : انفراده سبحانه بالألوهية واختصاصه بها.