جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٥
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا﴾، حكى الله تعالى جناية أخرى لبعض المشركين، جيء بها ؛ لبيان بطلانها. والقائل بهذه المقالة حيٌ من خزاعة، وقيل : قريش وجهينة وبنو سلمة وبنو مليح، يقولون : الملائكة بنات الله، وأمهاتهم سروات الجن، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا. والتعرض لعنوان الرحمانية المنبئة عن كون جميع ما سواه مربوباً له تعالى، نعمة أو منعمًا عليه ؛ لإبراز كمال شناعة مقالتهم الباطلة، ﴿سبحانه﴾ أي : تنزه تنزيهًا يليق بكمال ذاته، وتقدَّس عن الصاحبة والولد، ﴿بل﴾ هم ﴿عبادٌ﴾ لله تعالى، و " بل " إبطال لما قالوا، أي : ليست الملائكة كما قالوا، ﴿بل عبادٌ مكرمون﴾ ؛ مقربون عنده، ﴿لا يسبقونه﴾ أي : لا يتقدمونه ﴿بالقول﴾، ولا يتكلمون إلا بما يأمرهم به. وهذه صفة أخرى لهم، منبهة على كمال طاعتهم وانقيادهم لأمره تعالى، أي : لا يقولون شيئًا حتى يقوله تعالى أو يأمرهم به. وأصله : لا يسبق قولُهم قولَه، ثم أسند السبق إليهم ؛ لمزيد تنزههم عن ذلك، ﴿وهم بأمره يعملون﴾ أي : لا يعملون إلا ما أمرهم به، وهو بيان لتبعيتهم له تعالى في الأفعال، إثر بيان تبعيتهم له في الأقوال، فإن نفي سبقيتهم له تعالى بالقول : عبارة عن تبعيتهم له تعالى فيه، كأنه قيل : هم بأمره يقولون وبأمره يعملون، لا بغير أمره أصلاً.