يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وإِذا رآك الذين كفروا﴾ أي : المشركون ﴿إِن يتخذونك﴾ ؛ ما يتخذونك ﴿إِلا هُزُوًا﴾ ؛ مهزوءًا بك ؛ على معنى قصر معاملتهم معه - عليه الصلاة والسلام - على اتخاذهم إياه هزوًا، كأنه قيل : ما يفعلون بك إلا اتخاذك هزوًا. نزلت في أبي جهل - لعنه الله -، مرّ به النبي ﷺ، فضحك وقال : هذا نبيُّ بني عبد مناف. قال القشيري :(لو شاهدوه على ما هو عليه من أوصاف التخصيص، وما رقَّاه الله من المنزلة، لظلوا له خاضعين، ولكنهم حُجِبُوا عن معانيه وسريرته، وعاينوا فيه جسمه وصورته). فاستهزؤوا بما لم يُحيطوا بعلمه، حَال كونهم يقولون :﴿أهذا الذي يَذْكُرُ﴾ أي : يعيب ﴿آلهتكم﴾، فالذكر يكون بخير وبضده، فإنْ كان الذاكر صديقًا للمذكور فهو ثناء. وإن كان عدوًا فهو ذم. ﴿وهم بذكر الرحمن﴾ أي : بذكر الله وما يجب أن يذكر به من الوحدانية، ﴿هم كافرون﴾ ؛ لا يصدقون به أصلاً، فهم أحق بالهزء والسخرية منك ؛ لأنك مُحق وهم مُبطلون. والمعنى أنهم يعيبون - عليه الصلاة والسلام - أن يذكر آلهتهم، التي لا تضر ولا تنفع، بالسوء، والحال : أنهم بذكر الرحمن، المنعم عليهم بأنواع النعم، التي هي من مقتضيات رحمانيته، كافرون، لا يذكرونه بما يليق به من التوحيد وأوصاف الكمال، أو : بما أنزل من القرآن ؛ لأنه ذكر الرحمن، ﴿هم كافرون﴾ ؛ جاحدون، فهم أحقاء بالعيب والإنكار. وكرر لفظ " هُم " للتأكيد، أو لأن الصلة حالت بينه وبين الخبر، فأعيد المبتدأ.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٥


الصفحة التالية
Icon