والمعنى : أنه أمر رسوله - عليه الصلاة والسلام - بسؤالهم عن الكالئ، ثم أضرب عنه، وبيَّن أنهم لا يصلحون لذلك، لإعراضهم عن ذكر من يكلؤهم. هكذا للزمخشري ومن تبعه. وقال ابن جزي : والمعنى : أنه تهديد وإقامة حجة عليهم ؛ لأنهم لو أجابوا عن هذا السؤال لاعترفوا بأنه ليس لهم مانع ولا حافظ غيره تعالى - يعني لِمَا جربوه في أحوال محنتهم - ثم قال : وجاء قوله :﴿بل هم عن ذكر ربهم معرضون﴾، بمعنى أنهم، إذا سُئلوا ذلك السؤال، لم يجيبوا عنه، لأنهم تقوم عليهم الحجة إن أجابوا، ولكنهم
٣٤٨
يعرضون عن ذكر الله. هـ. أي : يعرضون عن أن يقولوا : كالأنا الله عتوًا وعنادًا. وهو معنى قوله :﴿بل هم عن ذكر ربهم مُعرِضون﴾، كأنه قال : لو سُئلوا، لم يجدوا جوابًا، إلا أن يقولوا : هو الله، لكنهم يعرضون عن ذكره ؛ مكابرة. قلت : وما قاله ابن جزي أحسن مما قاله الزمخشري ومن تبعه، وأقرب.
ثم قال تعالى :﴿أم لهم آلهةٌ تمنعُهم من دوننا﴾، هذا انتقال من بيان جهلهم بحفظه تعالى، أو إعراضهم عن ذكره، إلى توبيخهم باعتمادهم على آلهتهم. والمعنى : ألهم آلهة تمنعهم من العذاب تجاوز منعنا وحفظنا، فهم يعولون عليها واثقون بحفظها ؟ وفي توجيه الإنكار والنفي إلى وجود الآلهة بما ذكر من المنع، لا إلى نفس الصفة، بأن يقال : أم تمنعهم آلهتهم... الخ. من الدلالة على سقوطها عن مرتبة الوجود، فضلاً عن رتبة المنع، ما لا يخفى. ثم قال تعالى :﴿لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منّا يُصْحَبُون﴾ أي : يُجَارون. والصاحب : المُجِير الوافي، يعني : أن الأصنام لا تُجير نفسها، ولا نُجيرهم نحن، أو لا يصحبُهم نصر من جهتنا، فهم لا يستطيعون أن ينصروا أنفسهم، ولا يُصحبون بالنصر والتأييد من جهتنا، فكيف يتوهم أن ينصروا غيرهم ؟
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٨


الصفحة التالية
Icon