بل متّعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العُمُرُ}، إضراب عما توهموه من منع آلهتهم وحفظها لهم، أي : ما هم فيه من الحفظ والكلاءة إنما هو منا، لا من مانع يمنعهم من إهلاكنا، وما كلأناهم وآباءهم الماضين إلا تمتيعًا لهم بالحياة الدنيا وإمهالاً، كما متعنا غيرهم من الكفار وأمهلناهم حتى طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وظنوا أنهم دائمون على ذلك، وهو أمل كاذب. ﴿أفلا يَرَوْن أنَّا نأتي الأرضَ ننقُصُها من أطرافها﴾ أي : ألا ينظرون فيرون أنَّا نأتي أرض الكفرة فننقصها من أطرافها ؛ بإدخالها في أيدي المسلمين، فكيف يتوهمون أنهم ناجون من بأسنا. وهو تمثيل وتصوير لما يخربه الله من ديارهم على أيدي المسلمين، ويضيفها إلى دار الإسلام. وفي التعبير بنأتي : إشارة إلى أن الله تعالى يجريه على أيدي المسلمين، وأن عساكرهم كانت تأتيهم لغزوهم غالبة عليهم، ناقصة من أطراف أرضهم. ﴿أفهم الغالبون﴾ على رسول الله ﷺ والمؤمنين، أي : أفكفار مكة يغلبون بعد أن نقصنا من أطراف أرضهم ؟ أي : ليس كذلك، بل يغلبهم الرسول - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه الكرام، وقد تحقق ذلك وأنجز الله وعده، والله غالب على أمره.
الإشارة : قل من يكلؤ قلوبكم وأسراركم من الرحمن، أن يذهب بما أودع فيها من المعارف وأنوار الإحسان ؟ فلا أحد يحفظها إلا من رحمها بما أودع فيها، ولهذا كان العارفون لا يزول اضطرارهم، ولا يكون مع غير الله قرارهم، لا يعتمدون على عمل ولا حال، ولا على علم ولا مقال، وفي الحكم :" إلهي، حكمك النافذ، ومشيئتك القاهرة،
٣٤٩
لم يتركا لذي حال حالاً، ولا لذي مقال مقالاً ". وقال أيضًا :" إلهي كم من طاعة بنيتُها وحالة شيدتُها، هدم اعتمادي عليها عدلك، بل أقالني منها فضلك ". وكثير من الناس غافلون عن هذا المعنى، بل هم عن ذكر ربهم مُعرِضون.


الصفحة التالية
Icon