قال الورتجبي : قوله تعالى :﴿قل من يكلؤكم...﴾ الآية، أخبر عن كمال إحاطته بكل مخلوق، وتنزيهه عن العَجَلة بمؤاخذتهم، كأنه يقول : أنا بذاتي تعاليت، أدفع بلطفي القديم عنكم قهري القديم، ولولا فضلي السابق وعنايتي القديمة بالرحمة عليكم، من يدفعه بالعلة الحدثانية ؟ وهذا من كمال لطفي عليكم وأنتم بعد معرضون عني يا أهل الجفا، وذلك قوله :﴿بل هم عن ذكر ربهم مُعرِضون﴾. هـ. بلفظه مع تصحيف في النسخة.
وقوله تعالى :﴿بل متعنا هؤلاء...﴾ الآية، تمتيع العبد بطول الحياة، إن كان ذلك في طاعة الله، وازدياد في معرفته، فهو من النعم العظيمة. وفي الحديث :" خَيرُكُم مَنْ طَال عُمُرهُ وحَسُنَ عَمَلُهُ " لكن عند الصوفية : أنه لا ينبغي للمريد أن ينظر إلى ما مضى من عمره في طريق القوم، فقد كان بعض الشيوخ يقول : لا يكن أحدكم عبد الدهور وعبد العدد. قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : معنى كلامه : أنه لا ينبغي للفقير أن يعدكم له في طريق القوم، ليقول : أنا لي كذا وكذا من السنين في طريق القوم. هـ. بالمعنى. ولعل علة النهي ؛ لئلا يرى للأيام تأثيرًا في الفتح، فقد قالوا : هي لمن صدق لا لمن سبق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٨
وقوله تعالى :﴿أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها﴾ قال القشيري : فيه إشارة إلى سقوط قوى العبد بمرور السنين، وتطاول العمر، فإن آخر الأمر كما قيل :
آخِرُ الأمر ما تَرَى
القبرُ واللَّحدُ والثرى
وكما قيل :
طَوَى العَصْرانِ ما نَشَرَاهُ مني
فأبلى جِدَّتِي نَشْرٌ وطيُّ
أراني كلَّ يوم في انتقاصٍ
ولا يبقى مع النقصان شيُّ
وكأنه فسر الأرض بأرض النفوس من باب الإشارة. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٨


الصفحة التالية
Icon