ولمَّا بيَّن الحق تعالى غاية هول ما يستعجله المستعجلون، ونهاية سوء حالهم، عند إتيانه، ونعى عليهم جهلهم بذلك، وإعراضهم عند ذكر ربهم، الذي يكلؤهم من طوارق
٣٥٠
الليل والنهار، أمَرَ نبيه - عليه الصلاة والسلام - بأن يخبرهم أن ما ينذرهم به، مما يستعجلونه، إنما هو بالوحي، لا من عنده.
قلت : مَن قرأ :﴿يَسمع﴾ بفتح الياء، فالصُّم : فاعل، والدعاء : مفعول، ومن قرأ بضم التاء، رباعي ؛ فالصم : مفعول أول، والدعاء : مفعول ثان. ومن قرأ :﴿مثقال﴾ ؛ بضم اللام، فكان تامة، وبالنصب : خبر كان، أي : وإن كان العمل المدلول عليه بوضع الموازين.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قل﴾ لهم يا محمد ﴿إِنما أُنذِرُكُم﴾ وأخوفكم من العذاب الذي تستعجلونه، أو بالساعة الموعودة، ﴿بالوحي﴾ القرآني الصادق، الناطق بإتيانه، وفظاعة شأنه، أي : إنما شأني أن أُنذركم بالإخبار به، لا بإتيانه ؛ فإنه مخالف للحكمة الإلهية ؛ إذ الإيمان برهاني لا عياني، فإذا أَنذرتَهم فلا يسمع إنذارك إلا من سبقت له العناية، دون من سبق له الشقاء، ولذلك قال تعالى :﴿ولا يسمع الصمُّ الدعاءَ﴾ أي : الإنذار، أو لا تُسمع أنت الصمَّ الدعاءَ ﴿إِذا ما يُنذَرُون﴾ ؛ يُخوَّفون، واللام في للعهد، وهو إشارة إلى هؤلاء المنذرين، والأصل : ولا يسمعون إنذارك إذا يُنذرون، فوضع الظاهر موضع المضمر ؛ إشارة إلى تصاممهم وسد أسماعهم إذا أنذروا، وتسجيلاً عليهم بذلك. وفي التعبير بالدعاء، دون الكلام في الإنذار، إشارة إلى تناهي صممهم في حال الإنذار، فإن الدعاء من شأنه أن يكون بأصوات عالية مكررة مقارنة لهيئة دالة عليه، فإذا لم يسمعوا، مع هذه الحالة، يكون صممهم في غايةٍ لا غاية ورائها.


الصفحة التالية
Icon