ثم أضرب عنهم ؛ مخبرًا بأنه جاد فيما قال، غير لاعب، بإقامة البرهان على بطلان ما ادعوه فقال :﴿بل ربُّكم ربُّ السماواتِ والأرض الذي فطرهنَّ﴾، لا التماثيل التي صورتم. وقيل : هو إضراب عما بنوا عليه مقالتهم ؛ من اعتقاد كونها أربابًا لهم، كما يُفصح عنه قولهم :﴿نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾ [الشُّعَرَاء : ٧١]، كأنه قال : ليس الأمر كذلك، بل ربكم رب السماوات والأرض الذي خلقهن وأنشأهن، فالضمير للسماوات والأرض، وصفَه تعالى بإيجادهن، إثر وصفه تعالى بربوبيته لهن ؛ تحقيقًا للحق،
٣٥٤
وتنبيهًا على أن ما لا يكون كذلك بمعزل من الربوبية، أي : أنشأهن بما فيهن من المخلوقات، التي من جملتها أنتم وآباؤكم وما تعبدونه، من غير مثالٍ يُحتَذِيه، ولا قانون ينتحيه. وقيل : الضمير للتماثيل، وهو أدخل في تضليلهم، وأظهر في إلزام الحجة عليهم ؛ لِمَا فيه من التصريح المُغني عن التأمل في كون ما يعبدونه من المخلوقات، والأول أقرب. ثم قال عليه السلام :﴿وأنا على ذلكم﴾ الذي ذكرتُ : من كون ربكم رَبَّ السماوات والأرض، دون ما عداه، كائنًا ما كان، ﴿من الشاهدين﴾ أي : العالمين به على سبيل الحقيقة، المبرهنين عليه، فإن الشاهد على الشيء : مَنْ تحققه وبرهن عليه، كأنه قال : وأنا أعلم ذلك، وأتحققه، وأُبرهن عليه، والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon