يقول الحقّ جلّ جلاله : حاكيًا عن خليله عليه السلام :﴿وتالله لأكيدنّ أصنامكم﴾ أي : لأمكرنّ بها، وأجتهد في كسرها، وفيه إيذان بصعوبة الانتهاز، وتوقفه على الحيل والسياسة، وذلك الكيد ﴿بعد أن تُولُّوا مُدبرين﴾ ؛ بعد ذهابكم عنها إلى عيدكم. قال مجاهد : إنما قاله سرًا، ولم يسمعه إلا رجلٌ فأفشاه عليه، وقال : سمعت فتى يذكرهم. وقال السدي : كان لهم في كل سنة مجمعٌ وعيد، فإذا رجعوا من عيدهم دخلوا على أصنامهم فسجدوا لها، وقال أبو إبراهيم : يا إبراهيم، لو خرجتَ معنا إلى عيدنا لأعجبك، فخرج إلى بعض الطريق، وقال : إني سقيم، أَشتكي رجلي. فلما مضوا نادى في آخرهم - وقد بقي ضعفاء الناس - :﴿تالله لأكيدنَّ أصنامكم بعد أن تُولُّوا مدبرين﴾ فسمعوه، ثم دخل بيت الأصنام، فوجد طعاماً كانوا يضعونه عندها للبركة، فإذا رجعوا أكلوه، فقال :﴿ألا تأكلون﴾ ؟ استهزاءً بها، فلم يجبه أحد، فقال : ما لكم لا تنطقون ﴿فَرَاغَ﴾ ؛ مال ﴿عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ﴾ [الصَّافات : ٩٣].
﴿فجعلهم جُذاذًا﴾ أي : قطعًا، جمع جذيذ. وفيه لغتان : الكسر، كخفيف وخِفاف، والضم ؛ كحطيم وحُطام. رُوي أنها كانت سبعين صنمًا مصطفة. وثَمَّ صنم عظيم مستقبل الباب، وكان من ذهب، وفي عينيه جوهرتان تضيئان بالليل، فكسر الكل بفأس كان بيده، ولم يُبق إلا الكبير، علّق الفأس في عنقه، وذلك قوله تعالى :﴿إِلا كبيرًا لهم﴾ أي : للأصنام ﴿لعلهم إِليه﴾ أي : إلى إبراهيم عليه السلام ﴿يرجعون﴾ ؛ فيحاجهم بما سيأتي فيغلبهم، أو إلى دينه ؛ إذا قامت الحجة عليهم. وقيل : إلى الكبير يسألونه عن الكاسر ؛ لأن من شأن الكبير أن يرجع إليه في الملمات. وقيل : إلى الله تعالى وتوحيده، عند تحققهم بعجز آلهتهم عن دفع ما يصيبهم وعن الإضرار بمن كسرهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٥


الصفحة التالية
Icon