فلما رجعوا من عيدهم، ورأوا ما صُنِع بآلهتهم، ﴿قالوا مَن فعلَ هذا بآلهتنا﴾، على طريق الإنكار والتوبيخ، ﴿إِنه لَمِنَ الظالمين﴾ أي : لشديد الظلم ؛ لجرأته على الآلهة، التي هي عندهم في غاية التوقير والتعظيم. أو لَمِنَ الظالمين حيث عَرَّض نفسه للهلكة، ﴿قالوا﴾ أي : بعضٌ منهم، وهو من سمع مقالته :﴿سمعنا فتىً يذكرهم﴾ أي : يعيبهم، فلعله فعل ذلك بها، ﴿يُقال له إِبراهيم﴾ أي : يقال له هذا الاسم. ﴿قالوا﴾ أي : السائلون :﴿فأْتُوا به على أعين الناس﴾ أي : بمرأى منهم، بحيث يكون نصبَ أعينهم، لا يكاد يخفى على أحد، ﴿لعلهم يشهدون﴾ عليه بما سُمع منه، أو بما فعله، كأنهم كرهوا عقابه بلا بينة، أو يَحضرون عقوبتنا له. فلما أحضروه ﴿قالوا أأنت فعلتَ هذا بآلهتنا يا إِبراهيم﴾ ؟ واختصر إحضاره ؛ للتنبيه على أن إتيانهم به، ومسارعتهم إلى ذلك، أمر محقق غني عن البيان ﴿قال﴾ إبراهيم عليه السلام :﴿بل فعله كبيرُهُم هذا﴾، غار أن يُعبدوا معه، مشيرًا إلى الذي لم يكسره. وعن الكسائي : أنه يقف على ﴿بل فعله﴾ أي : فعله من فعله، ثم ابتدأ :
٣٥٦
كبيرهم هذا يُخبركم فسلوه... الخ، والأكثر : أنه لا وقف، والفاعل : كبيرهم. و " هذا " : بدل، أو وصف، ونسبَ الفعل إلى كبيرهم، وقصده تقريره لنفسه وإسناده لها، على أسلوب تعريضي ؛ تبكيتًا لهم، وإلزامًا للحجة عليهم، لأنهم إذا نظروا النظر الصحيح عَلِموا عجز كبيرهم، وأنه لا يصلح للألوهية، وهذا كما لو كتبت كتابًا بخط أنيق، وأنت شهير بحسن الخط، ومعك صاحب أُميّ، فقال لك قائل : أأنت كتبت هذا ؟ فتقول : بل كتبه هذا، وهو يعلم أنه أُميّ لا يُحسن الكتابة، فهو تقرير لإثبات الكتابة لك على أبلغ وجه.


الصفحة التالية
Icon