قال الكواشي : ومن الجائز أن يكون أَذِنَ الله تعالى له في ذلك كما أَذِنَ ليوسف حين نادى على إخوته :﴿إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾ [يُوسُف : ٧٠]، ولم يكونوا سارقين ؛ لِمَا في ذلك من المصلحة ؛ لأنهم إذا نظروا النظر الصحيح، وسألوا عَلِمُوا أن كبيرهم لم يفعل شيئًا، وأنه عاجز عن النطق، فضلاً عن الفعل، فلا يجوز أن يُعبد، ولا يستحق العبادة إلا القادر الفعال. هـ.
وقيل : اسند الفعل إلى كبيرهم ؛ لأنه الحامل له على كسرها، حيث رآه يُعظَّم أكثر منها، ويُعبد من دون الله، فاشتد غضبه حتى كسرها، وهو بعيد ؛ إذ لو كان كذلك لكسره أولاً، فتحصل أنه عليه السلام إنما قصد التعريض بعبادتهم، لا الإخبار المحض، حتى يكون كذبًا. فإن قلت : قد ورد في الحديث أن إبراهيم كذب ثلاث كذبات ؟ فالجواب : أن معنى ذلك : أنه قال قولاً ظاهره الكذب، وإن كان القصد به معنى آخر. قاله ابن جزي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٥
ثم قال لهم :﴿فاسْألوهم﴾ عن حالهم، ﴿إِن كانوا ينطقون﴾ فتجيبكم بمن كسرهم، وأنتم تعلمون عجزهم عنه، ﴿فَرَجعوا إِلى أنفسهم﴾ أي : رجعوا إلى عقولهم، وتفكروا بقلوبهم، وتذكروا أنَّ ما لا يقدر على دفع المضرة عن نفسه ولا على الإخبار بمن كسره، فكيف يستحق أن يكون معبودًا ؟ ﴿فقالوا﴾ أي : قال بعضهم لبعض :﴿إِنكم أنتم الظالمون﴾ على الحقيقة، حيث عبدتم من لا ينطق ولا يضر ولا ينفع ؛ لأنَّ من لا يدفع عن رأسه الفأس، فكيف يدفع عن عابده البأس! فأنتم الظالمون بعبادتها ؛ لا من ظلمتموه بقولكم :﴿إنه لمن الظالمين﴾. أو : أنتم الظالمون لا من كسرها، ﴿ثم نُكِسُوا على رؤوسهم﴾، وردّوا إلى أسفل سافلين، أُجري الحقُّ على لسانهم في القول الأول، ثم أدركتهم الشقاوة، أي : انقلبوا إلى المجادلة، بعدما استقاموا بالمراجعة، شَبَّه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشيء أعلاه، قائلين :﴿لقد علمتَ﴾ يا إبراهيم ﴿ما هؤلاء ينطقون﴾، فكيف تأمرنا بسؤالها ؟


الصفحة التالية
Icon