رُوِيَ أنهم، لما أجمعوا على حرقه عليه السلام، بنوا له حظيرة بكُوثَى - قرية من قرى الأنباط بالعراق - فجمعوا صلاب الحطب من أصناف الخشب، مدة أربعين يومًا، وقيل : شهرًا، حتى إن المرأة تنذر : لَئِنْ أصابت حاجتها لتَحِطَبنَّ في نار إبراهيم. ثم أوقدوا نارًا عظيمة، لا يكاد يحومُ حولها أحد، حتى إن كانت الطير لتمرُ بها، وهي في أقصى الجو فتحترق من شدة وهجها، ولم يقدر أحد أن يقربها، فلم يعلموا كيف يُلقونه عليه السلام فيها، فأتى إبليس وعلمهم علمَ المنجنيق، فعملوه. وقيل : صنعه لهم رجل من الأكراد، فخسف الله تعالى به في الأرض مثل الآخر، ثم عمدوا إلى إبراهيم عليه السلام، فوضعوه فيه مغلولاً مقيدًا مجردًا، فصاحت السماءُ والأرضُ ومن فيها من الملائكة : يا ربنا، إبراهيم، ليس في الأرض أحد يعبدك غيرُه، يُحرق فيك، فَأذَنْ لنا في نصرته، فقال لهم : إن استغاث بواحد منكم فأغيثوه، فرموا به فيها من مكان شاسع، فقال له جبريل عليه السلام، وهو في الهواء : ألك حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا. قال : فسل ربك. فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي، فرفع همته عن الخلق، واكتفى بالواحد الحق، فجعل الله الخطيرةَ روضة. وهذا معنى قوله :﴿قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إِبراهيم﴾ أي : كوني ذات برد وسلام، أي : ابردي بردًا غير ضار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٨


الصفحة التالية
Icon