قال شعيب الجبائي : أُلقِي إبراهيم في النار وهو ابن ست عشرة سنة، وذبح إسحاق وهو ابن سبع سنين، وولدته سارة وهي بنت تسعين سنة، ولَمَّا علت ما أراد من ذبحه بقيت يومين وماتت في الثالث. هـ. وهذا كما ترى من أكبر المعجزات، فإنَّ انقلاب النار هواء طيبًا، وإن لم يكن بدعًا من قدرة الله، لكنه من أكبر الخوارق، واختلف في كيفية برودتها ؛ فقيل : إن الله تعالى أزال ما فيها من الحر والإحراق، وقيل : دفع الله عن جسم إبراهيم حرها وإحراقها مع تَرْكِ ذلك فيها، والله على كل شيء قدير.
قال تعالى :﴿وأرادوا به كيدًا﴾ ؛ مكرًا عظيمًا في الإضرار، ﴿فجعلناهم الأخسرين﴾ أي : أخسر من كل خاسر، حيث جاء سعيهم في إطفاء نور الحق برهانًا قاطعًا على أنه عليه السلام على الحق، وهم على الباطل، وموجبًا لارتفاع درجته واستحقاقهم للهلاك، فأرسل الله على نمرود وقومه البعوض، فأكلت لحومهم وشربت دماءهم، ودخلت بعوضة في دماغ نمرود فأهلكته بعد المحنة الشديدة، وبالله التوفيق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٨
الإشارة : أجرى الله تعالى عادته في المتوجه الصادق، إذا أراد الوصول إلى حضرته، أن يبْتَليه قبل أن يُمكنه، ويمتحنه قبل أن يُصافيه ؛ لأنَّ محبته تعالى مقرونة بالبلاء، والداخل على الله منكور، والراجع إلى الناس مبرور. فإذا رُمِيَ الولي في منجنيق الابتلاء، وألقي في نار الجلال، وتعرضت له الأكوان : ألك حاجة ؟ فيقول - إن كان مؤيَدًا - : أمَّا إليك فلا، وأما إلى الله فبلى، فإذا قيل له : سله، فيقول : علمه
٣٦٠


الصفحة التالية
Icon