بحالي يغني عن سؤالي. فلا جرم أن الله تعالى يقول لنار الجلال : كوني بردًا وسلامًا على وليي، فينقلب حرها بردًا وسلامًا، فلا يرى أيامًا أحلى من تلك الأيام التي ابتُلي فيها. وهذا أمر مجرب مَذُوق، وأما إن التفت إلى التعلق بغير الله تعالى، فإنَّ البلاء يُشدد عليه، أو يخرج من دائرة الولاية، والعياذ بالله. فالولي هو الذي يقلب الأعيان بهمته، وبالنور الذي في قلبه، حسية كانت أو معنوية، فيقلب الخوف أمنًا، والحزن سرورًا، والقبض بسطًا، والفاقة غنًى، وهكذا... فحينئذ تنفعل له الأشياء وتطيعه، وتخرق له العوائد، حتى لو ألقي في النار الحسية لبردت. قال الورتجبي : كان الخليل منُورًا بنور الله، وكان فعل النار من فعل الله، فغلب نور الصفة على نور الفعل، ولو بقيت النار حتى وصل إليها الخليل لصارت مضمحلة، فعلم الحق ذلك، فقال لها :﴿كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم﴾ حتى تبقى لظهور معجزته وبيان كرامته. هـ. ومصداق ما ذكره : قول النار يوم القيامة للمؤمن : جُز فقد أطفأ نورك لهبي، كما ورد. والله أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٨
قلت :﴿إلى الأرض﴾ : يتعلق بحال محذوفة، ينساق إليها الكلام، أي : ذاهبًا بهما إلى الأرض.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ونجيناه﴾ أي : إبراهيم ﴿ولوطًا﴾ ابن أخيه هاران، ذاهبًا بهما من العراق ﴿إِلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين﴾، وهي أرض الشام. وبركاته العامة : أنَّ أكثر الأنبياء بُعثوا فيها، فانتشرت في العالمين شرائعهم، التي هي مبادئ الخيرات الدينية والدنيوية، وهي أرض المحشر، فيها يجمع الناس، وفيها ينزل عيسى عليه السلام، وقال أُبي بن كعب : ما من ماء عذب إلاَّ وأصله من تحت صخرة بيت المقدس، وهي أرض خِصب، يعيش فيها الفقير والغني.


الصفحة التالية
Icon