عبدي المؤمن فلم يشكني إلى عُوّاده، أنشطته من عقالي، وبدَّلته لحمًا خيرًا من لحمه، ودمًا خيرًا من دمه، ويستأنف العمل " ثم نقل عن أبي العباس ابن العريف رضي الله عنه قال : كان رجل بالمغرب يُدعى أبا الخيَّار، وقد عمّ جسده الجذامُ، ورائحة المسك تُوجد منه على مسافة بعيدة، لقيه بعضُ الناس، فقال له : يا سيدي كأن الله تعالى لم يجد للبلاء مَحلاً من أعدائه حتى أنزله بكم، وأنتم خاصة أوليائه!! فقال لي : اسكت، لا تقل ذلك ؛ لأنا لمّا أشرفنا على خزائن العطاء، لم نجد عند الله أشرف ولا أقرب من البلاء، فسألناه إِيّاه، وكيف بك لو رأيت سيّد الزهّاد، وقطبَ العباد، وإمام الأولياء والأوتاد، في غار بأرض طرطوس وجبالها، ولحمُه يتناثر، وجلده يسيل قيحًا وصديدًا، وقد أحاط به الذباب والنمل، فإذا كان الليل لم يقنع بذكر الله وشكره على ما أعطاه من الرحمة، حتى يشدّ نفسه بالحديد، ويستقبل القبلة عامَّةَ ليله حتى يطلع الفجر. هـ.
وقد تكلم الصوفية في قول أيوب عليه السلام :﴿مسّني الضر﴾ ؛ هل شكى ضرر جسمه، أو ضرر قلبه من جهة دينه ؟ قال بعضهم : قيل : إنه أراد النهوضِ إلى الصلاة فلم يستطع، فقال :﴿مسّني الضر﴾، وقيل : إنه أكل الدود جميع جسده، حتى بقي عظامًا، فلما قصد الدودُ قلبَه ولسانَه غار على قلبه ؛ لأنه موضع المعرفة والتوحيد، والنبوة والولاية، وأسرار الله تعالى، وخاف انقطاع الذكر، فقال :﴿مسّني الضر﴾، وقيل : خاف تبدد همه وتفرق قلبه، وليس في العقوبة شيء أشد من تبدد الهم، فتارة يقول : لعلي ببلائي مُعاقب، وتارة يقول : بضري مُستدرج، فلما خاف تشتيت خاطِره عليه، قال :﴿مسّني الضر﴾. هـ.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٨