ثم قال تعالى :﴿فظنَّ أن لن نقْدِرَ عليه﴾ أي : لن نضيق عليه، أو لن نقدر عليه بالعقوبة، فهو من القدرة، ويؤيده قراءة من شدَّد، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : دخلت يومًا على معاوية، فقال : لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة، فغرقت فيها، فلا أرى لنفسي خلاصًا إلا بك، قال : وما هي ؟ فقرأ الآية... فقال : أو يظن نبي الله ألا يقدر عليه ؟ قال : هذا من القدر لا من القدرة. هـ.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٥
وقيل : إنه على حذف الاستفهام. أي : أيظن أن لن نقدر عليه، وقيل : هو تمثيل لحاله بحال من ظن أن لن يقدر عليه، أي : تعامل معاملة من ظن أن لن نقدر عليه ؛ حيث استعجل الفرار. قلت : لإعلاء مقامه كثرت مطالبته بالأدب، فحين خرج من غير إذن خاص ؛ عُدَّ خروجه كأنه ظن ألا تنفذ فيه القدرة، وتمسك عليه السلام بالإذن العام، وهو الهجرة من دار الكفر، وهو لا يكفي في حق أمثاله، فعوقب بالسجن في بطن الحوت. ﴿فنادى في الظلمات﴾ أي : في الظلمة الشديدة المتكاثفة كقوله :﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ...﴾ [البَقَرة : ١٧]، أو في ظلمة بطن الحوت والبحر والليل :﴿أن لا إِله إِلا أنتَ﴾ أي : بأنه لا إله إلا أنت، أو تفسيرية، أي : قال : لا إله إلا أنت، ﴿سبحانك﴾ أي : أنزهك تنزيهًا لائقًا بك من أن يعجزك شيء، أو : تنزيهًا لك عما ظننتُ فيك، ﴿إِني كنتُ من الظالمين﴾ لنفسي ؛ بخروجي عن قومي قبل أن تأذن لي، أو من الظالمين لأنفسهم بتعريضها للهلكة، وعن الحسن : ما نجاه، والله، إلا إقراره على نفسه بالظلم.


الصفحة التالية
Icon