﴿فاستجبنا له﴾ أي : أجبنا دعاءه الذي دعا في ضمن الاعتراف بالذنب على ألطف وجه وأحسنه. عن رسول الله ﷺ :" مَا مِنْ مَكْرُوبٍ يَدْعُو بِهَذا الدُّعَاءِ إلاّ اسْتُجِيبَ لَهُ " ﴿ونجيناه من الغم﴾ : الذلة والوحشة والوحدة، وذلك بأن قذفه الحوت إلى الساحل بعد أربع ساعات، وقيل : بعد ثلاثة أيام، ﴿وكذلك نُنجي المؤمنين﴾ أي : مثل ذلك الإنجاء الكامل نُنجي المؤمنين من غمومهم، إذا دعوا الله، مخلصين في دعائهم. وعنه ﷺ أنه قال :" اسم الله الذي إذا دُعي به أجب، وإذا سُئل به أعطى " دعوة يونس بن متى، قيل : يا رسول الله، أليونس خاصة ؟ قال :" بل هي عامة لكل مؤمن، ألم تسمع قول الله تعالى :﴿وكذلك ننجي المؤمنين﴾ " وهنا قراءات في ﴿نُنجي﴾، مذكورة في كتب القراءات، تركتها لطول الكلام فيها.
الإشارة : من تحققت له سابقة العناية لا تُبعده الجناية، ولا تُخرجه عن دائرة الولاية، بل يؤدب في الدنيا بالابتلاء في بدنه أو ماله، على قدر الجناية وعلو المقام، ثم يُرد
٣٧٦
إلى مقامه. وها هنا حكايات للصوفية - رضي الله عنهم - من هذا النوع، مِنْهَا : حكاية خير النساج رضي الله عنه، قيل له : أكان النسج صنعتك ؟ قال : لا، ولكن كنتُ عاهدت الله واعتقدت ألا آكل الرطب، فغلبتني نفسي واشتريت رطلاً منه، فجلستُ لآكله، فإذا رجل وقف عليّ، وخنقني، وقال : يا عبد السوء، أتهرب من مولاك - وكان له عبد اسمه :" خير " أَبَقَ مِنْه، أَلقى الله شبهه عليَّ - فحملني إلى حانوته، وقال : اعمل عملك، أمرني بعمل الكرباس - وهو القطن - فدليت رجلي لأنسجه، فكأني كنت أعمله سنين، فبقيت معه أشهرًا، فقمتُ ليلة إلى صلاة الغداة، وقلت : إلهي لا أعود، فأصبحت، فإذا الشبه قد زال عني، وعُدتُ إلى صورتي التي كُنتُ عليها، فأُطلقت، فثبت عليّ هذا الاسم، فكان سببُه اتباع شهوتي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٥


الصفحة التالية
Icon