وقوله تعالى :﴿إنهم كانوا يسارعون في الخيرات﴾، فيه إشارة إلى بيان سبب حصول الخصوصية ؛ لأن بابها هو المسارعة إلى عمل الخيرات وأنواع الطاعات، وأوكدها ثلاثة : دوام ذكر الله، وحسن الظن بالله، وبعباد الله. وفي الحديث :" خصلتان ليس فوقهما شيء من الخير : حسن الظن بالله، وحسن الظن بعباد الله " وقوله :﴿ويدعوننا رَغَبًا ورهبًا﴾، هذه حالة الطالبين المسترشدين المتعطشين إلى الله، يدعونه رغبًا في الوصول، ورهبًا من الانقطاع والرجوع، وقد تكون للواصلين ؛ رغبًا في زيادة الترقي، ورهبًا من الوقوف أو الإبعاد. وقال بعضهم : الرغب والرهب حاصلتان لكل مؤمن، إذ لو لم تكن رغبة لكان قنوطًا، وهو كفر، ولو لم تكن رهبة لكان أمنًا، والأمن كفر. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٧
٣٧٨
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿و﴾ اذكر ﴿التي أحصنت فرْجَها﴾ على الإطلاق من الحلال والحرام، والتعبير عنها بالموصول ؛ لتفخيم شأنها، وتنزيهها عما زعموه في حقها. ﴿فنفخنا فيها من رُّوحِنَا﴾ أي : أجرينا روح عيسى فيه وهو في بطنها، أو نفخنا في درع جيبها من ناحية روحنا، وهو جبريل عليه السلام، فأحدثنا بذلك النفخ عيسى عليه السلام، وإضافة الروح إليه تعالى ؛ لتشريف عيسى عليه السلام، ﴿وجعلناها وابنها﴾ أي قضيتهما، أو حالهما، ﴿آية للعالمين﴾، فإن من تأمل حالهما تحقق بكمال قدرته تعالى. وإنما لم يقل آيتين، كما قال :﴿وَجَعَلْنَا الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ﴾ [الإسرَاء : ١٢] ؛ لأن مجموعهما آية واحدة، وهي ولادتها إياه من غير فحل. وقيل : التقدير : وجعلناها آية وابنها كذلك، فآيةٌ مفعول المعطوف عليه، فحذف أحدهما لدلالة الآخر عليه. والله تعالى أعلم.