الإشارة : مَنْ حَصَّلَ التقوى في صغره، كان آية في كِبَرِهِ. تقول العامة : الثور الحراث في الربك يبان، وتقول الصوفية : البداية مجلاة النهاية. وقالت الحكماء : الصغر يخدم على الكبر. وبالله التوفيق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٨
قلت :﴿أمة﴾ : حال من ﴿أمتكم﴾ أي : متحدة أو متفقة، والعامل فيه ومعنى الإشارة، والإشارة إلى طريق الأنبياء المذكورين قبلُ.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿إِنّ هذه﴾ الطريق والسيرة التي سلكها الأنبياء المذكورون، واتفقوا عليها، وهو التوحيد، هي ﴿أُمتكم﴾ أي : ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها، ولا تخرجوا عنها، حال كونها ﴿أمةً واحدةً﴾، غير مختلفة فيما بين الأنبياء - عليهم السلام - وإن اختلفت شرائعهم. وفي الحديث :" الأنْبِيَاءُ أبناء عَلاَّتٍ، أُمهَاتُهمْ شتَّى، وأبوهم واحد " والعلات : الضرائر، أي : شرائعهم مختلفة، وأبوهم واحد، وهو التوحيد. قال القشيري :﴿وأنا ربكم فاعبدون﴾ أي : ربيتكم ؛ اختيارًا، فاعبدوني ؛ شكرًا وافتخارًا. هـ. والخطاب للناس كافة.
﴿وتقطعوا أمرهم﴾، أصل الكلام : وتقطعتم في أمر دينكم وتفرقتم. إلاَّ أن الكلام صرف إلى الغيبة، على طريقة الالتفات ؛ ليَنْعي عليهم ما أفسدوه في الدين، والمعنى : فجعلوا أمر دينهم فيما ﴿بينهم﴾ قِطَعًا، وصاروا أحزابًا متفرقة، كأنه يُنْهِي إلى أهل التوحيد قبائح أفعالهم، ويقول : ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله، الذي
٣٧٩
أجمعت عليه كافة الأديان ؟ ثم توعدهم بقوله :﴿كُلٌّ إِلينا راجعون﴾ أي : كل واحد، من الفرق المتقطعة، راجع إلينا بالبعث، فنجازيهم حينئذ بحسب أعمالهم.


الصفحة التالية
Icon