ثم فصَّل الجزاء فقال :﴿فمن يعملْ﴾ شيئًا ﴿من الصالحات وهو مؤمنٌ﴾ بالله ورسله وبما يجب الإيمان به. قال القشيري :(وهو مؤمن، أي : في المآل بأن يختم له به)، وكأنه يشير إلى الخاتمة ؛ لأن من لم يختم له بالإيمان لا ثواب لأعماله، والعياذ بالله، ﴿فلا كُفْرَانَ لسَعْيِهِ﴾ أي : لا حرمان لثواب عمله، بل سعيُه مشكور مقبول، فالكفران مَثلٌ في حرمان الثواب، كما أن الشكر مثلٌ في إعطائه، وعبّر عن ذلك بالكفران، الذي هو ستر النعمة وجحدها ؛ لبيان كمال تنزهه تعالى عنه. وعبّر عن العمل بالسعي ؛ لإظهار الاعتداد به، ﴿وإِنّا له﴾ أي : لسعيه ﴿كاتبون﴾ ؛ مُثبتون في صحائف أعمالهم، نأمر الحفظة بذلك، لا نغادر من ذلك شيئًا. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٩
الإشارة : الصوفية - رضي الله عنهم -، في حال سيرهم إلى الحضرة وسلوكهم في طريق التربية، مختلفون بحسب الأزمنة والأمكنة والأشخاص. وفي حال نهايتهم - وهو الوصول إلى حضرة الشهود والعيان، وإشراق شمس العرفان، الذي هو مقام الإحسان، ويُعبِّرون عنه بالفناء والبقاء، وهو التوحيد الخاص - متفقون، وفي ذلك يقول القائل :
عباراتنا شتى وحسْنُك واحد
وكُلٌّ إلى ذاك الجَمَالِ يُشير
لأن ما كان ذوقًا ووجدًا لا يختلف، بل يجده كل من له ذوق سليم. نعم تتفاوت أذواقهم على حسب مشاربهم، ومشاربُهم على حسب إعطائهم نفوسَهم وبيعها لله، وتتفاوت أيضًا بحسب التخلية والتفرغ، وبحسب الجد والاجتهاد، وكلهم على بصيرة من الله وبينة من ربهم : نفعنا الله بذكرهم، وخرطنا في سلكهم، آمين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٩