رُوِيَ أن النبي ﷺ دَخَلَ المَسْجِدَ الحَرام، وصَنَادِيدُ قُريشٍ في الحَطِيمِ، وَحَوْلَ الكَعْبَةِ ثلاثمائة وَسِتونَ صَنَمًا، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَعَرَضَ لَهُ النَّضْرُ بْنُ الحَارِثِ، فكلَّمهُ النبي ﷺ حَتَّى أفْحَمَهُ، ثُمَّ تلا عليه وعليهم :﴿إِنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم...﴾ الآيات الثلاث. ثم أقْبَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزِبَعْرَى فرآهم يتساهمون، فقال : فيم خوضكم ؟ فأخفى الوَلِيدُ ما قاله النبي ﷺ، ثم أخبره بعضهم بما قاله، عليه الصلاة والسلام، فقال ابن الزبعرى للنبي ﷺ : أأنت قلت :﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾ ؟ قال : نعم، قال : قد خصمتك، ورب الكعبة، أَلَيْست اليَهُودُ تعبد عُزَيرًا، والنصارى تعبد المَسِيحَ، وبَنُو مُلَيْحٍ يعبدون الملائكة ؟ فقال النبي ﷺ :" بَلْ هُمْ يَعْبُدُونَ الشياطِينَ الّتي أَمَرَتْهُم بِهذا، فأنزل الله تعالى :﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى...﴾ ". قلت : كل من عَبَدَ شيئًا من دون الله فإنما عَبَدَ في الحقيقة الشيطان ؛ لأنه أمر به وزينه له، ويدل على ذلك أنهم يتبرؤون يوم القيامة، حين تتحقق الحقائق، من عبادتهم، كما قال تعالى :﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾ [الفُرقان : ١٧، ١٨] مع قوله تعالى :﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾ [العَنكبوت : ٣٨]. والله تعالى أعلم.
٣٨٣


الصفحة التالية
Icon