يقول الحقّ جلّ جلاله : واذكر ﴿يوم نَطْوِي السماءَ﴾ ؛ وذلك يوم الحشر والناس في الموقف، فتجمع وتُكوّر وتُطوى ﴿كطَيِّ السِّجِلِّ﴾ ؛ الصحيفة ﴿للكتاب﴾ أي : لأجل الكتابة فيها ؛ لأن الكاتب يطوي الصحيفة على اثنين ؛ ليكتب فيها. فاللام للتعليل، أو بمعنى " على "، أي : كطي الصحيفة على الكتابة التي فيها، لتُصان، وقرأ أبو جعفر :" تُطوى " ؛ بالبناء للمفعول. وذلك بمحو رسومها وتكوير نجومها وشمسها وقمرها. وأصل الطي : الدرج، الذي هو ضد النشر. وقرأ الأخوان وحفص :﴿للكُتُبِ﴾ بالجمع، أي : للمكتوبات، أي : كطي الصحيفة ؛ لأجل المعاني الكثيرة التي تكتب فيها، أو كطيها عليها ؛ لتُصان. فالكتاب أصله مصدر، كالبناء، ثم يوقع على المكتوب. وقيل : السجل : ملك يطوي كتب ابن آدم، إذا رفعت إليه، فالكتاب، على هذا، اسم للصحيفة المكتوب فيها، والطي مضاف إلى الفاعل، وعلى الأول : إلى المفعول.
﴿كما بدأنا أول خَلقٍ نُعيده﴾ أي : نعيد ما خلقنا حين نبعثهم، كما بدأناهم أول مرة، فالتنوين في ﴿خَلقٍ﴾ مثله في قولك : أول رجلٍ جاءني، تريد أول الرجال والتقدير : كما بدأنا أول الخلائق، نعيدهم حفاةً عراة غُرلاً. قال ﷺ :" إنَّكُمْ تَحْشَرُونَ يَوْمَ القيَامَة حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً. وأول مَنْ يُكْسَى إبْرَاهِيمُ خليلُ الله "، أي : لأنه جرد في ذات الله، فقالت عائشة - رضي الله عنها - : واسوءتاه! فلا يحتشم الناس بعضهم من بعض ؟ فقال :" لكل امرئ منهم يومئذ شأن يُغنيه " ثم قرأ - عليه الصلاة والسلام - :﴿كما بدأنا أول خلق نعيده﴾.
كما بدأناه من الماء نعيده كيوم ولدته أمه. قلت : قد استدل بعضهم، بظاهر الآية والحديث، أن أهل الجنة ليس لهم أسنان، ولا دليل فيه ؛ لأن المقصود من الآية : الاستدلال على كمال قدرته تعالى، وعلى البعث الذي تُنكره الكفرة، لا بيان الهيئة، وعدمُ وجودها نقصان، ولا نقص في الجنة.


الصفحة التالية
Icon