وإِنْ أَدْرِي} أي : ما أدري ﴿أقريبٌ أم بعيدٌ ما تُوعدون﴾ من البعث والحساب متى يكون ؛ لأن الله تعالى لم يُطلعني عليه، ولكن أنبأني أنه آت لا محالة، وكل آت قريب. ولذلك قال :﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾ [الأنبيَاء : ٩٧]، أو : لا أدري متى يحل بكم العذاب، أو ما توعدون من إظهار المسلمين وظهور الدين، ﴿إِنه يعلم الجهرَ من القول ويعلم ما تكتمون﴾ أي : إنه عالم بكل شيء، يعلم ما تجهرون به ؛ من الطعن في الإسلام وتكذيب الآيات، وما تكتمونه في صدوركم من الأحقاد للمسلمين، فيجازيكم عليه نقيرًا وقطميرًا. ﴿وإِنْ أدري لعله فتنةٌ لكم﴾ أي : ما أدري لعل تأخير العذاب عنكم في الدنيا امتحان لكم ؛ لينظر كيف تعملون، أو استدراج لكم، وزيادة في افتتانكم، ﴿ومتاعٌ إلى حين﴾ أي : تمتع لكم إلى حين موتكم ؛ ليكون حجة عليكم، أو إلى أجل مقدر تقتضيه المشيئة المبنية على الحِكَم البالغة. ﴿قل ربِّ احكُم بالحق﴾ أي : اقض بيننا وبين كفار مكة بالعدل، المقتضي لتعجيل العذاب. فهو كقول شعيب عليه السلام :﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعرَاف : ٨٩]، أو بما يحق عليهم من العذاب، واشدد عليهم، كقوله ﷺ :" اللَّهُمَّ اشْدُدْ وطأَتَكَ عَلَى مُضَرَ "، وقد استجيب دعاؤه - عليه الصلاة والسلام -، حيث عُذبوا ببدر أيّ تعذيب. وقرأ الكسائي وحفص :﴿قال﴾ ؛ حكاية لدعائه صلى الله عليه وسلم. ثم استعان بالله على إبطال ما كانوا يؤملون من النصرة لهم، وتكذيبهم في ذلك، فقال :﴿وربنا الرحمن﴾ ؛ كثير الرحمة على عباده، ﴿المستعان على ما تصفون﴾ من كون الغلبة لكم. كانوا يصفون
٣٨٩
الحال على خلاف ما جرت عليه، وكانوا يطمعون أن تكون الشركة والغلبة لهم، فكذب الله ظنونهم، وخيّب آمالهم، وغيّر أحوالهم، ونصر رسوله ﷺ عليهم، وخذلهم ؛ لكفرهم. وبالله التوفيق.


الصفحة التالية
Icon