ثم علل وجوب التقوى بذكر بعض عقوبته الهائلة عند قيام الساعة، فقال :﴿إِن زلزلة الساعة شيء عظيم﴾، فإن ملاحظة عظمها وهولها وفظاعة ما هي من مبادئه ومقدماته، مما يوجب مزيد اعتناء بملابسة التقوى والتدرع بها. والزلزلة : التحرك الشديد والإزعاج العنيف، بطريق التكرير، بحيث تزيل الأشياء من مقارها، وتخرجها عن مراكزها، وهي الزلزلة المذكورة في قوله تعالى :﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ [الزّلزَلة : ١] الآية. واخْتُلِفَ في هذه الزلزلة وما ذكر بعدها، هل هي قيام الساعة عند نفخة الصعق، أو بعدها عند الحشر ؟ فقال الحسن رضي الله عنه : إنها تكون يوم القيامة. وعن
٣٩١
ابن عباس رضي الله عنه : زلزلة الساعة : قيامها. وعن علقمة والشعبي : أنها قبل طلوع الشمس من مغربها، فإضافتها إلى الساعة ؛ لكونها من أشراطها. قال الكواشي : وهذه الزلزلة تكون قبل قيام الساعة من أشراطها. قالوا : ومن أشراط الساعة، قبل قيامها، ست آيات : بينما الناس في أسواقهم، إذ ذهب ضوء الشمس، ثم تناثرت النجوم، ثم وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحركت واضطربت الأرض، ففزع الإنسُ والجن، وماج بعض في بعض ؛ خوفًا ودهشًا، فقالت الجنُ للإنس : نحن نأتيكم بالخبر، فذهبوا، فرأوا البحار تَأَجَّجُ نارًا، فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض إلى الأرض السابعة، ثم جاءتهم الريح فماتوا. هـ. وانظر ابن عطية. قاله المحشي. والتحقيق : ما قدمناه عند قوله :﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾ [الأنبيَاء : ٩٧]، وأنَّ الريح إنما تقبض أرواح المؤمنين، وهذه الزلزلة إنما تقع عند نفخة الصعق. والله تعالى أعلم. وفي التعبير بـ ﴿شيء عظيم﴾ إيذان بأن العقول قاصرة عن إدراك كنهها، والعبارة ضيقة، لا تحيط بها إلا على وجه الإبهام.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩١


الصفحة التالية
Icon