ثم هوَّل شأنها، فقال :﴿يوم ترونها﴾ أي : الزلزلة، وتُشاهدون هول مطلعها، ﴿تذهل كل مرضعة﴾ أي : مباشرة للإرضاع، ﴿عما أرضعت﴾ أي : تغفل وتغيب، من شدة الدهش عما هي بصدد إرضاعه من طفلها، الذي ألقمته ثديها. فالمرضعة، بالتاء، هي المباشرة الإرضاع بالفعل، والمرضع - بلا تاء - لمن شأنها ترضع، ولو لم تباشر الإرضاع. والتعبير عنه " بما "، دون " من " ؛ لتأكيد الذهول، كأنها من شدة الهول لا تدري من هو بخصوصه، وقيل :" ما " مصدرية، أي : تذهل عن إرضاعها. والأول أدل على شدة الهول وكمال الانزعاج.
﴿وتضع كل ذات حملٍ حملها﴾ أي : تلقى جنينها من غير تمام، كما أن المرضعة تذهل عن ولدها قبل الفطام. وهذا على قول من يقول : إنها قبل نفخة الصعق ظاهر، وأما على من يقول، إنها بعد قيام الساعة، فقد قيل : إنه تمثيل ؛ لتهويل الأمر وشدته. ﴿وترى الناس سُكارى﴾ أي : وترى أيها الناظر الناس سكارى، على التشبيه، من شدة الهول، كأنهم سكارى لمّا شاهدوا بساط العزة وسلطنة القهرية، حتى قال كلُّ نبي : نفسي نفسي. ﴿وما هم بسُكارى﴾ على التحقيق، ﴿ولكنَّ عذاب الله شديد﴾، فخوف عذابه هو الذي أذهل عقولهم، وطيَّر تمييزهم، وردهم في حال من يَذهب السكُر بعقله وتمييزه. وعن الحسن : وترى الناس سكارى من الخوف، وما هم بسكارى من الشراب. وقرئ :(سكْرى) ؛ كعطشى. والمعنى واحد، غير أن فعلى يختص بما فيه آفة، كجرحى وقتلى ومرضى. والله تعالى أعلم.
الإشارة : يا أيها الناس اتقوا ربكم وتوجهوا إليه بكليتكم، حتى تُشرق على قلوبكم أنوار ربكم، فتزلزل أرض نفوسكم، وتدك جبال عقولكم، عند سطوح شمس العرفان،
٣٩٢