يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ومن الناس من يُجادل﴾ ويخاصم ﴿في الله﴾ أي : في شأنه، ويقول ما لا يليق بجلال كبريائه وكمال قدرته، ملابسًا ﴿بغير علم﴾، بل بجهل عظيم حمله على ما فعل. نزلت في النضر بن الحارث، وكان جَدلاً، يقول : الملائكة بنات الله، والقرآن أساطير الأولين، ولا بعث بعد الموت، والله غير قادر على إحياء من بَلى وصار رميمًا. وهي عامة له ولأضرابه من العتاة المتمردين، وكل من يخاصم في الدين بالهوى. ﴿ويتَّبعُ﴾ في ذلك ﴿كلَّ شيطان مَرِيدٍ﴾ ؛ عاتٍ متمرد، مستمر في الشر. قال الزجاج : المَريد والمارد : المرتفع الأملس، أي : الذي لا يتعلق به شيء من الخير، والمراد : إما رؤساء الكفرة الذين يدعونهم إلى الكفر، وإما إبليس وجنوده.
ثم وصَف الشيطان المريد بقوله :﴿كُتِبَ عليه﴾ أي : قضى على ذلك الشيطان ﴿أنه﴾ أي : الأمر والشأن ﴿مَن تولاه﴾ أي : اتخذه وليًا وتبعه، ﴿فأنَّه﴾ أي : الشيطان ﴿يُضِلُّه﴾ عن سواء السبيل، ﴿ويهديه إِلى عذاب السعير﴾ أي : النار. والعياذ بالله.
٣٩٣
الإشارة : ومِن الناس من تنكبت عنه سابقةُ الخصوصية، فجعل يجادل في طريق الله، وينكر على المتوجهين إلى الله، إذا حرقوا عوائد أنفسهم، وسَدَّ الباب في وجوه عباد الله، فيقول : انقطعت التربية النبوية، وذلك منه بلا عِلْمِ تحقيقٍ ولا حجةٍ ولا برهان، وإنما يتبع في ذلك كُلَّ شيطان مريد، سوَّل له ذلك وتبعه فيه. كُتب عليه أنه من تولاه، وتبعه في ذلك، فإنه يُضله عن طريق الخصوص، الذين فازوا بمشاهدة المحبوب، ويهديه إلى عذاب السعير، وهو غم الحجاب والحصر في سجن الأكوان، وفي أسر نفسه وهيكل ذاته، عائذًا بالله من ذلك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٣


الصفحة التالية
Icon