يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث﴾ أي : إن شككتم في أمر البعث، فمُزيل ريبكم أن تنظروا في بدء خلقكم، وقد كنتم في الابتداء تُرابًا وماء، وليس سبب إنكاركم بالبعث إلا هذا، وهو صيرورة الخلق ترابًا وماء، فكما بدأكم منه يعيدكم منه، كما قال تعالى :﴿فإِنّا خلقناكم﴾ أي : أباكم ﴿من تراب، ثم﴾ خلقناكم ﴿من نطفة ثم من علقة﴾ أي : قطعة دم جامدة، ﴿ثم من مضغة﴾ أي : لحمة صغيرة، بقدر ما يمضغ، ﴿مُخَلَّقةٍ﴾ أي : مصورة الخلقة، ﴿وغيرِ مُخَلَّقةٍ﴾ أي : لم يتبين خلقها وصورتها بعدُ. والمراد : تفصيل حال المضغة ؛ من كونها أولاً مضغة، لم يظهر فيها شيء من الأعضاء، ثم ظهرت بعد ذلك شيئًا فشيئًا. وكان مقتضى الترتيب أن يُقدم غير المخلقة على المخلقة، وإنما أخرت عنها ؛ لأنها عدم الملكة، والملكة أشرف من العدم.
وإنما فعلنا ذلك ؛ ﴿لنُبيِّنَ لكم﴾، بهذا التدريج، كمال قدرتنا وحكمتنا ؛ لأن من قدر على خلق البشر من تراب أولاً، ثم من نطفة ثانيًا، وقدر على أن يجعل النطفةَ علقةً، والعلقة مضغة، والمضغة عظامًا، قدر على إعادة ما بدأ، بل هو أهون في القياس
٣٩٤
﴿ونُقِرُّ﴾ أي : نثبت ﴿في الأرحام ما نشاء﴾ ثبوته ﴿إِلى أجلٍ مسمى﴾ : وقت الولادة، وما لم نشأ ثبوته أسقطته الأرحام. ﴿ثم نُخرِجُكم﴾ من الرحم ﴿طفلاً﴾، أي : حال كونكم أطفالاً. والإفراد باعتبار كل واحد منهم، أو بإرادة الجنس، ﴿ثم لتبلغوا أشدَّكم﴾ أي : ثم نربيكم ؛ لتبلغوا كمال عقلكم وقوتكم. والأشد : من ألفاظ الجموع التي لم يستعمل له واحد. ووقته : قيل : ثلاثون سنة، وقيل : أربعون.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٤


الصفحة التالية
Icon