وذلك أيضًا شاهد بأنه ﴿يُحيي الموتى﴾ كما أحيا الأرض، مرة بعد أخرى، ﴿وأنه على كل شيء قدير﴾ أي : مبالغ في القدرة، وإلاَّ لَمَا أوجد هذه الموجودات الفائتة الحصر. وتخصيص إحياء الموتى بالذكر، مع كونه من جملة الأشياء المقدور عليها ؛ للتصريح بما فيه النزاع، وللطعن في نحور المنكرين. ﴿وأنَّ الساعة آتيةً﴾ : قادمة عليكم، ﴿لا ريبَ فيها﴾، وإيثار اسم الفاعل على الفعل ؛ للدلالة على تحقق إتيانها وتقريره ألْبَتَّةَ. ومعنى نفي الريب عنها : أنها، في ظهور أمرها ووضوح دلائلها، بحيث ليس فيها مظنة الريب، ﴿وأنَّ الله يبعثُ من في القبور﴾ ؛ لأنه تعالى حكم بذلك ووعد به، وهو لا يخلف الميعاد، والتعبير بـ " من في القبور " : خرج مخرج الغالب، وإلاَّ فهو يبعث كل من يموت. والله تعالى أعلم وأحكم.
الإشارة : يا أيها الناس المنكرون لوجود التربية النبوية، وظهور أهل الخصوصية في زمانهم، الذين يحيي الله الأرواح الميتة، بالجهل والغفلة، على أيديهم ؛ إن كنتم في ريب من هذا البعث فانظروا إلى أصل نشأتكم وتنقلات أطواركم، فمن فعل ذلك وقدر عليه، قدر أن يحيي النفوس الميتة بالغفلة في كل زمان. وفي الحِكَم :" من استغرب أن ينقذه الله من شهوته، وأن يُخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز القدرة الإلهية، وكان الله على كل شيء مقتدرًا ". وجرت عادته أنه لا يحييها في الغالب إلا على أيدي أهل الخصوصية. وترى أرض النفوس هامدة ميتة بالغفلة، فإذا أنزلنا عليها ماء الحياة، وهي الواردات الإلهية، وأسقيناها الخمرة القدسية، اهتزت فرحًا بالله، وربت، وارتفعت بالعلم بالله، وأنبتت من أصناف العلوم والحكم، ما تَبْهَجُ منه العقول، ذلك شاهد بوحدانية الحق، وأن ما سواه باطل. وبالله التوفيق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٤


الصفحة التالية
Icon