يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ومن الناس من يُجادل في الله﴾ أي : في شأنه، فيصفه بغير ما هو أهله، وهو أبو جهل، كما قال ابن عباس رضي الله عنه، وقيل : هو من يتصدى لإضلال الناس، كائنًا من كان. حال كونه ﴿بغير علم﴾، بل بجهل وهوىً. والمراد بالعلم : الضروري، كما أن المراد بالهدى في قوله :﴿ولا هُدىً﴾ : هو الاستدلال والنظر الصحيح، الهادي إلى المعرفة. ﴿ولا كتابٍ منير﴾ أي : وحي يستند إليه، والحجة
٣٩٦
إنما تقوم بأحد هذه الثلاثة، أي : يجادل في شأنه تعالى، من غير تمسك بمقدمة ضرورية، ولا بحجة نظرية، ولا برهان سمعي.
حال كونه ﴿ثانِيَ عِطْفِه﴾ أي : لاويًا عُنُقَهُ عن طاعة الله ؛ كبرًا وعُتوًا، أو عاطفًا بجانبه، وطاويًا كَشْحَهُ، معرضًا متكبرًا، فثنْي العطف كناية عن التكبر. وقرأ الحسن بفتح العين، أي : مانعًا تعطفه على المساكين ؛ قسوةً. فعل ذلك الجدال ﴿ليضلَّ عن سبيل الله﴾ أي : ليضل الناس عن سبيل الله ؛ فإنَّ غرضه بالمجادلة إضلال المؤمنين، أو جميع الناس، وقرأ المكي وأبو عمر : بفتح الياء، أي : ليصير ضالاً عن سبيل الله. وجعل ضلاله غاية لجداله، من حيث إن المراد به الضلال المبين، الذي لا هداية بعده، مع تمكنه منها قبل ذلك، أي : ليرسخ في الضلالة أيّ رسوخ، ﴿له في الدنيا خِزيٌ﴾ : هوان وذُل، وهو القتل يوم بدر، وهو بيانُ نتيجةِ ما سلكه من الطريقة، أي : يثبت له، بسبب ما فعل، خزي وصغار، وهو ما أصابه ببدر، ﴿ونُذِيقه يومَ القيامة عذابَ الحريق﴾ أي : النار المحرقة.


الصفحة التالية
Icon