﴿ذلك﴾ أي : ما ذكر من العذاب الدنيوي والأخروي. وما في الإشارة من البُعد ؛ للإيذان بكونه في الغاية القاصية من الهول والفظاعة، أي : ذلك العذاب الهائل ﴿بما قدمتْ يداك﴾ أي : بسبب ما اقترفْتَهُ من الكفر والمعاصي. وإسناده إلى يديه ؛ لأن الاكتساب في الغالب بهما. والالتفات ؛ لتأكيد الوعيد وتشديد التهديد. أو يقال له يوم القيامة :﴿ذلك بما قدمت يداك وأنَّ الله ليس بظلام للعبيد﴾، فلا يأخذ أحدًا بغير ذنب ولا بذنب غيره. وهو خبر عن مضمر، أي : والأمر أنَّ الله ليس بمعذبٍ لعبيده بغير ذنب، وأما عطفه على " بما " فغير سديد، ولفظ المبالغة ؛ لاقترانه بلفظ الجمع في العبيد، ولأن قليل الظلم منه، مع علمه بقبحه واستغنائه عنه، كالكثير منا. قاله النسفي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٦
وقِيل :﴿ظلام﴾ : بمعنى : ذي ظلم، فتكون الصيغة للنَّسَبِ. والتعبير عن ذلك بنفي الظلم، مع أن تعذيبهم بغير ذنب، ليس بظلم قطعًا، على ما تقرر في مذهب أهل السنة، فضلاً عن كونه ظلمًا بالغًا ؛ لأن الحق تعالى إنما يُظهر لنا كمال العدل، وغاية التنزيه، وإن كان في نفس الأمر جائز أن يعذب عباده بلا ذنب، ولا يسمى ظلمًا ؛ لأنه تصرف في ملكه، لكنه تعالى لم يظهر لنا في عالم الشهادة إلا كمال العدل. والله تعالى أعلم.
الإشارة : من يخاصم في طريق القوم، وينفيها عن أهلها، إما أن يكون تقليدًا، وهو ما تقدم، أو يكون تكبرًا وعتوًا، بحيث لم يرض أن يحط رأسه لهم، وهو ما أشير إليه هنا. ولا شك أن المتكبر لا بد أن يلحقه ذل، ولو عند الموت. ويوم القيامة يُحشر صاغرًا كالذر، كما في الحديث. والله تعالى أعلم.
٣٩٧
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٦