ثم كمَّل حال المذبذب بقوله :﴿فإِن أصابه خيرٌ﴾ أي : دنيوي ؛ من الصحة في البدن، والسعة في المعيشة، ﴿اطمأن به﴾ أي : ثبت على ما كان عليه ظاهرًا، لا أنه اطمأن به اطمئنان المؤمنين، الذين لا يلويهم عنه صارف، ولا يثنيهم عنه عاطف. ﴿وإِن أصابته فتنةٌ﴾ : بلاء في جسده، وضيق في معيشته، أو شيء يفتتن به، من مكروه يعتريه
٣٩٧
في بدنه أو أهله أو ماله، ﴿انقلب على وجهه﴾ أي : ارتد ورجع إلى الكفر، كأنه تنكس بوجهه إلى أسفل. أو انقلب على جهته التي كان عليها. وتقدم عن ابن عباس أنها نزلت في أعاريب قدموا المدينة، مهاجرين، فكان أحدهم إذا صحَّ بدنه ونتجَتْ فَرَسُه مُهْرًا سريًا، وولدت امرأته غلامًا سويًا، وكَثُرَ مالُه وماشيته، قال : ما أصبتُ، مذ دخلت في ديني هذا، إلا خيرًا، واطمأن، وإن كان الأمر خلافه، قال : ما أصبتُ إلا شرًّا، وانقلب عن دينه. وعن أبي سعيد رضي الله عنه : أَنَّ يهُوديًا أَسْلَمَ فَأَصابَتْهُ مَصَائبُ، وتَشَاءَمَ بالإِسْلامِ، فَأَتَى النَّبي ﷺ فَقَال : أَقِلْنِي، فقال :" إنَّ الإسْلاَمَ لا يُقالُ " فَنَزلت.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٧
خَسِرَ الدنيا والآخرة﴾ : فَقَدَهُما، وضيعهما ؛ بذهاب عصمته، وحبوط عمله بالارتداد. وقرأ يعقوب : خاسر، على حال. ﴿ذلك هو الخسران المبين﴾ ؛ الواضح، الذي لا يخفى على أحد أنه لا خسران مثله.
ثم بيَّن وجه خسرانه بقوله :﴿يدعو﴾ أي : يعبد ﴿مِن دون الله﴾ أي : متجاوزًا عنه تعالى، ﴿ما لا يضرُّه﴾ إذا لم يعبده، ﴿وما لا ينفعه﴾ إذا عبده. ﴿ذلك﴾ الدعاء ﴿هو الضلالُ البعيد﴾ أي : التلف البعيد عن الحق.