يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿هذان خصمان﴾ أي : مختصمان ﴿اختصموا﴾ أي : فريق المؤمنين والكافرين. وقال ابن عباس رضي الله عنه :(راجع إلى أهل الأديان المذكورة) ؛ فالمؤمنون خَصْمٌ، وسائرُ الخمسة خصمٌ، تخاصموا ﴿في ربهم﴾ أي : في شأنه تعالى، أو في دينه، أو في ذاته وصفاته. والكل من شؤونه تعالى، فكل فريق يصحح اعتقاده. ويُبطل اعتقاد خصمه. وقيل : تخاصمت اليهود والمؤمنون ؛ فقالت اليهودُ : نحن أحق بالله وأقدمُ منكم كتابًا، ونبيُّنا قبل نبيِّكم. وقال المؤمنون : نحن أحقُّ بالله منكم، آمنا بنبينا ونبيكم، وبما أنزل الله من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا، ثم كفرتم به ؛ حسدًا. وكان أبو ذر يُقسِمُ أنها نزلَتْ في ستة نفر من قريش، تبارَزوا يوم بَدر ؛ حمزةُ وعليٌّ، وعبيدة بن الحارث، مع عتبة، وشيبة ابني ربيعةَ، والوليدُ. وقال عليّ رضي الله عنه : إني لأوَّلُ من يجثو بين يدَيِ الله يوم القيامة ؛ للخُصومة. هـ.
ثم بيَّن الفصل بينهم، المذكور في قوله :﴿إن الله يفصل بينهم يوم القيامة﴾، فقال :﴿فالذين كفروا﴾ بما أنزل على محمد ﷺ، ﴿قُطِّعَت لهم ثيابٌ من نار﴾ أي فصّلت وقُدرت على مقادير جثثهم، تشتمل عليهم، كما تقطع الثياب للبوس. وعبَّر بالماضي ؛ لتحقق وقوعه. ﴿يُصَبُّ من فوق رؤوسهم الحميمُ﴾ أي : الماء الحار. عن ابن عباس رضي الله عنه :" لو سقطت منه نقطة على جبال الدنيا لأذابتها ". ﴿يُصهَرُ﴾ : يُذاب ﴿به﴾ أي : بالحميم، ﴿ما في بطونهم﴾ من الأمعاء والأحشاء، ﴿والجلودُ﴾ تذاب أيضًا، فيُؤثر في الظاهر والباطن، كلما نضجت جلودهم بُدلت. وتقديم ما في الباطن ؛ للإيذان بأن تأثيرها في الباطن أقوى من تأثيرها في الظاهر، مع أن ملابستها على العكس.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٤


الصفحة التالية
Icon