ولهم مقامعُ من حديدٍ} أي : ولتعذيب الكفرة، أو لأجلهم، مقامع : جمع مقمعة، وهي آلة القمع، أي : سيَاط من حديد، يُضربون بها. ﴿كُلما أرادوا أن يخرجوا منها﴾ أي : أشرفوا على الخروج من النار، ودنوا منه، حسبما رُويَ : أنها تضربهم بلهبها فترفعهم، حتى إذا كانوا بأعلاها ضُربوا بالمقامع، فَهَوَوْا فيها سبعين خريفًا. وقوله :﴿من غَمّ﴾ : بدل اشتمال من ضمير ﴿منها﴾ ؛ بإعادة الجار، والعائد : محذوف، أي : كلما
٤٠٥
أرادوا أن يخرجوا من غم شديد من غمومها ﴿أُعيدوا فيها﴾ أي : في قعرها، بأن رُدوا من أعاليها إلى أسافلها، من غير أن يخرجوا منها، ﴿و﴾ قيل لهم :﴿ذُوقوا عذابَ الحريق﴾ أي : الغليظ من النار، العظيم الإحراق.
ثم ذكر جزاء الخصم الآخر، وهم أهل الحق، فقال :﴿إن الله يُدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار﴾، وغيَّر الأسلوب فيه، بإسناد الإدخال إلى الله عزّ وجلّ، وتصدير الجملة بحرف التأكيد ؛ إيذانًا بكمال مباينة حالهم لحال الكفرة، وإظهارًا لمزيد العناية بحال المؤمنين، ﴿يُحلَّون فيها﴾ من التحلية، وهو التزين، أي : تحليهم الملائكة بأمره تعالى ﴿من أساورَ﴾ أي : بعض أساور : جمع سوار، ﴿من ذهبٍ﴾ للبيان، أي يلبسون أساور مصنوعة من ذهب، ﴿ولؤلؤًا﴾، من جَرَّهُ : عَطَفَهُ على ﴿ذهب﴾، أو ﴿أساور﴾، ومَنْ نَصَبَهُ : فعلى محل ﴿من أساور﴾، أي : ويُحَلَّوْنَ لؤلؤًا، أو بفعل محذوف، أي : ويُؤْتَوْنَ لؤلؤًا. ﴿ولباسُهُم فيها حريرٌ﴾ : أبريسِمْ، وغيَّر الأسلوب، فلم يقل : ويلبسون حريرًا ؛ لأن ثبوت اللباس لهم أمر محقق غَنِيُّ عن البيان، إذ لا يمكن عراؤهم عنه، وإنما المحتاج للبيان : أيُّ لباس هو، بخلاف الأساور واللؤلؤ، فإنها ليست من اللوازم الضرورية، فجعل بيان حليتهم بها مقصودًا بالذات. انظر أبا السعود.


الصفحة التالية
Icon