﴿ثم لْيَقْضُوا تَفَثَهم﴾ أي : ليزيلوا عنهم أدرانهم، قاله نفطويه. وقيل : قضاء التفث : قصُ الشارب والأظافر، ونتف الإبط، والاستحداد، وسائر خصال الفطرة. وهذا بعد أن يُحلوا من الحج ؛ التحلل الأصغر بالنحر. ﴿ولْيُوفُوا نذورَهم﴾ أي : ما ينذرونه من البر في الحج وغيره، وقيل : مواجب حجهم من فعل أركانه، ﴿وليَطّوفوا﴾ طواف الإفاضة، الذي هو ركن لا يُجبر بالدم، وبه يتم الحج، ويكون ﴿بالبيت العتيق﴾ : القديم ؛ لأنه أول بيت وضع للناس، بناه آدم ثم جدَّده إبراهيم، أو الكريم، ومنه : عتاق الخيل لكرائمها، أو : لأنه عتق من الغرق، أو من أيدي الجبابرة، فكم من جبار رام هدمه فمنعه الله منه. وقيل : عتيق لم يملكه أحد قطُّ، وهو مَطاف أهل الغبراء، كما أن البيت المعمور مطاف أهل السماء.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٩
ذلك﴾
أي : الأمر ذلك، وهذا من فضل الكلام، كما يقدم الكاتبُ جملة من الكلام، ثم يقول : هذا، وقد كان كذا وكذا وكذا، إذا أراد أن يخرج من كلام إلى كلام آخر، وإن كان له تعلق بما قبله. والكلام هنا متصل بتعظيم حرمات البيت، فقال :﴿ومن يعظِّم حُرمات الله﴾، جمع حرمة، وهو ما لا يحل هتكه من الشريعة، فيدخل ما يتعلق بالحج دخولاً أوليًا، وقيل : حرمات الله : البيت الحرام، والمشعر الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام. وقيل : المحافظة على الفرائض والسنن واجتناب المعاصي، ﴿فهو خيرٌ له﴾ أي : فالتعظيم خير له ثوابًا ﴿عند ربه﴾، ومعنى التعظيم : العلم بوجوب مراعاتها، والعمل بموجبه، والاهتمام بشأنه والتأدب معه. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon