الإشارة : قوله تعالى :﴿ثم ليقضوا تفثهم﴾، قال القشيري : أي : حوائجهم، ويحققوا عهودهم، ويُوفوا نذورهم فيما عقدوه مع الله بقلوبهم، فَمَنْ كان عقدُه التوبةَ ؛ فوفاؤه ألاَّ يرجعَ إلى العصيان، ومَنْ كان عَهْدُه اعتناقَ الطاعةِ، فَشَرْطُ وفائه ترك تقصيره، ومن كان عهدُه ألاَّ يرجع إلى طلب مقامٍ وتطلع إكرامٍ، فوفاؤه استقامته على الجملة، التي
٤١١
دخل عليها في هذه الطريق، بألا يرجع إلى استعجال نصيبٍ واقتضاءِ حظ. هـ. قلت : ومن كان عقده الوصول إلى حضرة القدس ومحل الأنس، فوفاؤه ألا يرجع عن صحبة من سقاه خمرة المحبة، وحمله إلى درجة المعرفة. ثم قال : ومَنْ عاهد الله بقلبه، ثم لا يفي بذلك، فهو من جملة قول الزور. هـ. وهو أيضًا ليس بمُعَظِّمٍ لحرمات الله، حيث طلبها ثم تهاون وتركها. والله تعالى أعلم.
ولمّا كان الإحرام يُحرم لحوم الصيد، فربما يتوهم أن اللحوم كلها تجتنب، رفعَ ذلك الإبهام، فقال :
﴿... وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىا عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وأُحِلتْ لكم الأنعامُ﴾ أي : أكلها، ﴿إِلا ما يُتلىَ﴾ أي : سيتلى ﴿عليكم﴾ منها في آية المائدة، كالميتة والموقوذة وأخواتهما. والمعنى : إن الله قد أحل لكم الأنعام إلاَّ ما بيَّن في كتابه، فحافظوا على حدوده، ولا تُحرِّموا شيئًا مما أحلَّ لكم، كتحريم البحيرة وما معها، ولا تُحلوا ما حرَّم، كإحلال المشركين الميتة والموقوذة وغيرهما.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٩