ثم نهى عن الأوثان التي كانوا يذبحون لها، فقال :﴿فاجتنبوا الرجس من الأوثان﴾ ؛ لأن ذلك من تعظيم حرمات الله، و ﴿من﴾ : للبيان، أي : فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان. والرجس : كل ما يستقذر من الخبث، وسمى الأوثان رجسًا على طريقة التشبيه، أي : فكما تنفرون بطباعكم من الرجس، فعليكم أن تنفروا عنها. والمراد : النهي عن عبادتها، أو عن الذبح تقربًا لها. ﴿واجتنبوا قولَ الزُّور﴾، وهو تعميم بعد تخصيص، فإنَّ عبادة الأوثان رأس الزور، ويدخل فيه الكذب والبهتان وشهادة الزور. وقيل : المراد شهادة الزور فقط، لِمَا رُوي أنه - عليه الصلاة والسلام - قال :" عَدلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الإِشْرَاكَ بِاللهِ تعالى " ثلاثًا، وتلى هذه الآية. والزور من الزّور، وهو الانحراف والميل ؛ لأن صاحبه ينحرف عن الحق، ولا شك أن الشرك داخل في الزور ؛ لأن المشرك يزعم أن الوثن تحق له العبادة، وهو باطل وزور.
ثم قال تعالى :﴿حنفاءَ لله﴾ : مائلين عن كل دين زائغ إلى دين الحق، مخلصين لله، ﴿غير مشركين به﴾ شيئًا من الأشياء، ﴿ومن يُشرك بالله﴾، أظهر الاسم الجليل ؛
٤١٢
لإظهار كمال قبح الشرك، ﴿فكأنما خَرَّ﴾ : سقط ﴿من السماء﴾ إلى الأرض ؛ لأنه يسقط من أوج الإيمان إلى حضيض الكفر. وقيل : هو إشارة إلى ما يكون له حين يصعد بروحه عند الموت، فتطرح من السماء إلى الأرض. قاله ابن البنا. ﴿فتخطفه الطير﴾ أي : تتناوله بسرعة، فالخطف والاختطاف : تناول الشيء بسرعة ؛ لأن الأهواء المردية كانت توزع أفكاره، ﴿أو تَهْوِي به الريحُ﴾ أي : تسقطه وتقذفه. والهوى : السقوط. ﴿في مكان سحيق﴾ : بعيد ؛ لأن الشيطان قد طرحه في الضلال والتحير الكبير. والله تعالى أعلم.