﴿لن ينال اللهَ لحومُها﴾ المُتَصَدَّقُ بها، ﴿ولا دماؤها﴾ المهراقة بالنحر، أي : لن يصل إلى الله اللحم والدم، ﴿ولكن ينالُه التقوى منكم﴾ ؛ فإنه هو الذي طلب منكم، وعليه يحصل الثواب. والمراد : لن تصلوا إلى رضا الله باللحوم ولا بالدماء، وإنما تصلون إليه بالتقوى، أي : الإخلاص لله، وقصد وجه الله، بما تذبحون وتنحرون من الهدايا. فعبَّر عن هذا المعنى بلفظ ﴿ينال﴾ ؛ مبالغةً وتأكيدًا، كأنه قال : لن تصل لحومها ولا دماؤها إلى الله، وإنما يصل إليه التقوى منكم، وقيل : كان أهل الجاهلية يلطخون الكعبة بدماء قربانهم، فهم المسلمون أن يفعلوا مثل ذلك، فنزلت الآية.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١٣
كذلك سخرها لكم﴾
أي : البدن، وهو تكرير للتذكير والتعليل، لقوله :﴿لتكبِّروا الله على ما هداكم﴾ أي : لتعرفوا عظمة الله، باقتداره على ما لا يقدر عليه غيره، فتوحدوه بالكبرياء ؛ شكرًا على هدايته لكم. وقيل : هو التكبير عند الذبح ﴿وبشر المحسنين﴾ : المخلصين في كل ما يأتون ويذرون في أمور دينهم. وبالله التوفيق.
الإشارة : أعظم شعائر الله التي يجب تعظيمها أولياء الله، الدالين على الله، ثم الفقراء المتوجهون إلى الله، ثم العلماء المعلمون أحكام الله، ثم الصالحون المنتسبون إلى الله، ثم عامة المؤمنين الذين هم من جملة عباد الله. ويجب تعظيم مَنْ نصبه الله لقيام خطة من الخطط ؛ لإصلاح العباد ؛ كالسلاطين، ولو لم يعدلوا، والقضاة والقواد، والمقدمين لأمور العامة، فتعظيم هؤلاء كله من تقوى القلوب. ويدخل في ذلك : الأماكن المعظمة ؛ كالمساجد والزوايا، وأما الفقير فَيُعَظِّمُ كل ما خلق الله حتى الكلاب، ويتأدب مع كل مخلوق.


الصفحة التالية
Icon