وقوله تعالى :﴿لكم فيها منافع﴾ أي : لكم في هذه التجليات، إن عظمتموها وعرفتم الله فيها، منافع، ترعَوْن من أنوارها وتشربون من خمرة أسرارها، فتزدادوا معرفة وتكميلاً، إلى أجل مسمى، وهو مقام التمكين، فحينئذ تواجهه أنوار المواجهة، فتكون الأنوار له، لا هو للأنوار، لأنه لله لا لشئ دونه، ﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأنعام : ٩١]. ثم محل هذه الأنوار إلى بيت الحضرة، فحينئذ يستغني بالله عن كل ما سواه. وقوله تعالى :﴿ولكل أمة جعلنا منسكًا﴾ أي : لكل عصر جعلنا تربية مخصوصة، والوصول واحد ؛ ولذلك قال :﴿فإلهكم إله واحد﴾. وقال القشيري : الشرائعُ مختلفةٌ
٤١٥
فيما كان من المعاملات، متفقة فيما كان من جملة المعارف. ثم قال : ذكّرهم الله بأنه هو الذي أمرهم ويُثيبهم، ﴿فله أسلموا﴾ : اسْتَسلموا لحكمِه، من غير استكراهٍ من داخل القلب ولا من اللفظ. هـ.
وقوله تعالى :﴿والبدن...﴾ الآية. قال الورتجبي : فيه إشارة إلى ذبح النفس بالمجاهدات، وزمها بالرياضات عن المخالفات، وفناء الوجود للمشاهدات، حتى لا يبقى للعارف في طريقه حظ من حظوظه، ويبقى لله مفردًا من جميع الخلائق. هـ.
وفي قوله تعالى :﴿فاذكروا اسم الله عليها صواف﴾، إشارة إلى أن النفس لا تموت إلا بصحبة من ماتت نفسه، فلا تموت النفس مع صحبة أهل النفوس الحية أبدًا. فإذا ماتت وسقطت جنوبها، وظفرتم بها ؛ فكلوا من أنوار أسرارها وعلومها ؛ لأن النفس، إذا ماتت، حييت الروح، وفاضت عليها العلوم اللدنية، فكلوا منها، وأطعموا السائل والمتعرض لنفحاتكم. وقوله تعالى :﴿لن ينال الله لحومها...﴾ الآية، قال الورتجبي : الإشارة فيه إلى جميع الأعمال الصالحة من العرش إلى الثرى، لا يلحق الحق بحق المراد منه، ولكن يصل إليه قلب جريح من محبته، ذُبح بسيف شوقه، مطروح على باب عشقه. قال سهل في قوله :﴿ولكن يناله التقوى﴾ : هو التبري والإخلاص. هـ.


الصفحة التالية
Icon