ثم وصف الذين أُخرجوا من ديارهم بقوله :﴿الذين إِن مكَّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتُوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونَهوا عن المنكر﴾ قلت : الصواب ما قاله مكي : أنه بدل مِن :" مَن ينصره "، في محل نصب. قيل : المراد بهم : الصحابة - رضي الله عنهم -، وقيل : الأمة كلها. وقيل الخلفاء الأربعة ؛ لأنهم هم الذين مُكِّنوا في الأرض بالخلافة، وفعلوا ما وصفهم الله به. وفيه دليل صحة أمرِ الخلفاء الراشدين ؛ لأن الله - عزّ وجلّ - أعطاهم التمكين، ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة. وعن عثمان رضي الله عنه :(هذا، والله، ثناء قبل بلاء)، يعني : أن الله تعالى أثنى عليهم قبل ظهور الشر من الهرج والفتن فيهم. ﴿ولله عاقِبةُ الأمور﴾ ؛ فإنَّ مرجعها إلى حكمه وتقديره فقط. وفيه تأكيد للوعد بإظهار أوليائه وإعلاء كلمته.
الإشارة : إذا اتصل الإنسان بشيخ التربية فقد أذن له في جهاد نفسه، إن أراد الوصول إلى حضرة ربه ؛ لأنها ظالمة تحول بينه وبين سعادته الأبدية. وإن الله على نصرهم لقدير ؛ لأن هِمَّةَ الشيخ تحمله وتنصره بإذن الله. وأما إن لم يتصل بشيخ التربية، فإن مجاهدته لنفسه لا تُصيب مَقاتلها ؛ لدخولها تحت الرماية، فلا يُصيبها ضربه، وأما الشيخ ؛ فلأنه يريه مساوئها ويعينه على قتلها.
وقوله تعالى :﴿الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق﴾ ؛ هم الذين أُمروا بقتل نفوسهم، فإنهم إذا خرقوا عوائد نفوسهم، وخرجوا عن عوائد الناس، رفضوهم وأنكروهم، وربما أخرجوهم من ديارهم، فقلَّ أن تجد وليًا بقي في وطنه الأول، وما نقموا منهم وأخرجوهم إلا لقصدهم مولاهم، وقولهم : ربُّنا الله دون شيء سواه، فحيث خرجوا عن عوائدهم وقصدوا مولاهم، أنكروهم وأخرجوهم من أوطانهم، ولولا دفع الناس بعضهم ببعض ؛ بأن شفع خيارهم في شرارهم، لهدمت دعائم الوجود ؛ لأنَّ من آذى وليًا فقد آذن بالحرب.


الصفحة التالية
Icon