الذين قيل فيهم :﴿أفلم يسيروا في الأرض﴾، ووصفوا بالاستعجال، وإنما ذكر المؤمنين وثوابهم ؛ زيادة في غيظهم. ﴿فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة﴾ لذنوبهم، ﴿ورزقٌ كريمٌ﴾ أي : حسن، وهي الجنة. والكريم من كل نعيم : ما يجمع فضائله ويجوز كمالاته.
﴿والذين سَعَوا﴾، يقال : سَعَى في أمر فلان : إذا أفسده بسعيه، أي : أفسدوا ﴿في آياتنا﴾ أي : القرآن ؛ بسعيهم في إبطاله، ﴿معاجزين﴾ أي : مسابقين. وقرأ المكي والبصري :" معجّزين ". بالشد، أي : مُثبطين الناس عن الإيمان. يقال : عاجزه : سابقه ؛ لأنَّ كل واحد منهما يطلب عجز الآخر، واللحوق به، فإذا غلبه، قيل : أعجزه وعجزه. والمعنى : سعوا في معناها بالفساد ؛ من الطعن فيها، حيث سمُّوها سحرًا وشعرًا وأساطير الأولين، مسابقين في زعمهم وتقديرهم، طامعين أن كيدهم للإسلام يتم لهم. ﴿أولئك أصحابُ الجحيم﴾ أي : ملازمو النار الموقودة. وقيل : هو اسم دركة من دركاتها.
الإشارة : الدعاة إلى الله تعالى إنما شأنهم التحذير والتبشير، ثم ينظرون ما يفعل الله في ملكه وخلقه، من هداية أو إضلال، وليس من شأنهم طلب ظهور المعجزات، أو الكرامات، ولا الحرص على هداية الخلق بالكد والاجتهاد، إنما شأنهم التذكير، ويردون الأمر إلى الملك القدير، فلا يتأسفون على من تخلف عنهم.
وكان عليه الصلاة والسلام - يحرص على هداية قومه -، فلما نهاه الحق تعالى عن ذلك، رجع وتأدب بكمال العبودية، وبه اقتدى خلفاؤه من بعده، فكان ﷺ في أول أمره يتمنى أن ينزل عليه ما يُقارب بينه وبين قومه، لعلهم يتدبرون فيما ينزل عليه فيُسلموا، فقرأ يومًا سُورَةَ النَّجْمِ، فَأُلقِي في مسامعهم ما يدل على مدح آلهتهم، فحزن - عليه الصلاة والسلام - حين نسبوا ذلك له.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٢٣


الصفحة التالية
Icon