قال ابن عباس وغيره من المفسرين الأولين - رضي الله عنهم - : لما رأى النبي ﷺ مباعدة قومه وتوليهم، وشق عليه ذلك تمنى أن يأتيه من الله تعالى ما يُقارب بينه وبين قومه، فجلس يومًا في جمع لهم، فنزلت سورة النجم، فقرأها عليهم، فلما بلغ :﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّىا وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَىا﴾ [النّجْم : ١٩، ٢٠]، ألقى الشيطان على
٤٢٤
لسانه : تلك الغرانيق العُلى وإنْ شفاعتهم لترجى. هـ. قلت : بلى، ألقى ذلك في مسامعهم فقط، ولم ينطق بذلك - عليه الصلاة والسلام - فلما سمعت ذلك قريش فرحوا، ثم سجد النبي ﷺ في آخر السورة، وسجد المسلمون والمشركون، إلا الوليد بن المغيرة، رفع حفنة من التراب وسجد عليه، فقالت قريش : ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، وقالوا : قد عرفنا أن الله يُحيي ويميت، ويخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، فإذا جعل محمد لها نصيبًا فنحن معه، فلما أمسى أتاه جبريل. فقال يا محمد ؛ ما صنعتَ فقد تلوتَ على الناس ما لم آتك به ؟ فحزن النبي ﷺ حزنًا شديدًا، فنزلت الآية ؛ تسلية له عليه الصلاة والسلام.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول﴾، يُوحى إليه بشرع، ويُؤمر بالتبليغِ، ﴿ولا نبيٍّ﴾ يُوحى إليه، ولم يُؤمر بالتبليغ، فالرسول مكلف بغيره، والنبي مقتصر على نفسه، أو الرسول : مَن بُعث بشرع جديد، والنبي : مَنْ قرر شريعة سابقة، ولذلك شبه ﷺ علماء أمته بهم، فالنبي أعم من الرسول، وقد سئل - عليه الصلاة والسلام - عن الأنبِيَاءِ، فقال :" مِائَةُ أَلْفٍ وأرْبَعَةٌ وعِشْرُونَ ألْفًا، قِيل : فَكمِ الرُّسُلُ مِنْهُمْ ؟ قال : ثَلاثُمِائةٍ وثلاثَةَ عَشَرَ، جَمًّا غَفِيرًا "
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٢٤