﴿أو التابعين غير أُولِي الإرْبة من الرجالِ﴾ أي : الذين يتبعونكم ليصيبوا من فضل طعامكم، أو لخدمة، أو لشيء يُعْطَاهُ، كالوكيل والمتصرف. وقال بعضهم : هو الذي يتبعك وَهَمُّهُ بَطْنُهُ، ويشترط ألا تكون له إِربةٌ، أي : حاجة وشهوة إلى النساء ؛ كالخَصِيِّ، والمُخَنَّثِ، والشيخ الهَرِم، والأحمق، فلا تجوز رؤيتهم إلا باجتماع الشرطين : أن يكونوا تابعين، ولا إربة لهم في النساء. ﴿أو الطفل الذين لم يَظْهَرُوا على عَوْرَاتِ النساء﴾، أراد بالطفل : الجنس، ولذلك وصفه بالجمع، ويقال فيه :" طفل " ما لم يراهق الحلُمُ. و(يظهروا) معناه : يطلعون بالوطء على عورات النساء، مِنْ : ظهر على كذا : إذا قوي عليه، فمعناه : الذين لم يطيقوا وطء النساء، أو : لا يدرون ما عورات النساء ؟.
﴿ولاَ يضْربنَ بأرجُلهنَّ ليُعْلَم ما يُخفين من زِينَتِهِنَّ﴾، كانت المرأة تضرب برجلها الأرض ليسمع قعقعة خلخالها، فيعلم أنها ذات خُلْخال، فنُهين عن ذلك ؛ إذ سَمَاعُ صَوْتِ الزينة كإظهارها، فيورث ميل الرجال إليهن. ويوهم أن لهن ميلاً إليهم. قال الزجاج : سماع صوت الزينة أشد تحريكاً للشهوة من إبدائها. هـ.
الإشارة : غض البصر عما تُكره رؤيته : من أسباب جمع القلب على الله وتربية الإيمان. وفي الحديث :" من غض بصره عن محارم الله، عوضه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه " وفي إرسال البصر : مِنْ تشتيت القلب، وتفريق الهم، ما لا يخفى، وفي ذلك يقول الشاعر :
وإِنَّكَ، إِنْ أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِداً
لِقَلْبِكَ، يَوْماً، أَتْعَبَتْكَ المُناظِرُ
تَرَى، ما لاَ كٌلهُ أَنْتَ قَادِرٌ
عَلَيْهِ، وَلاَ عَنْ بَعْضِه أَنْتَ صَابِرُ
فالعباد والزهاد يغضون بصرهم عن بهجة الدنيا، والعارفون يغضون بصرهم عن رؤية السِّوَى، فلا يرون إلا تجليات المولى. قال الشبلي :﴿قٌل لِلمُؤمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ أي : أبصار الرؤوس عن المحارم، وأبصار القلوب عما سِوَى الله. هـ.


الصفحة التالية
Icon