قال القشيري : ترتفع بقدرته بُخَارَاتُ البحر، فيتصعد، بتسييره وتقديره، إلى الهواء، وهو السحاب، ثم يديره إلى سَمْتِ يريد أن ينزل به المطر، ثم ينزل ما في السحاب من ماء البحر، قطرة قطرة، ويكون الماء، حين حصوله في بخارات البحر، غير عذب، فيقلبه عذباً، ويَسُحُّهُ السحابُ سَكْباً، فيوصل إلى كلِّ موضع قَدْراً يكون له مُراداً معلوماً، لا بالجهدِ مِنَ المخلوقين يُمْسَكُ عن المواضع الذي عليه ينزله، ولا بالحيلة يُسْتَنْزلُ على المكانِ الذي لا يُمْطِره. هـ. قلت : وهذا أحد الأقوال في الحقيقة المطر، والمشهور عند
٨٥
أهل السنة : أن الله تعالى يُنْشِىءُ السحاب بقدرته، ويخلق فيه الماء بحكمته، وينزله حيث شاء.
ثم قال تعالى :﴿ويُنزِّل من السماء من جبالٍ فيها من بَرَدٍ﴾، " مِنْ " الأولى : لابتداء الغاية، والثانية : بدل من الأولى، والثالثة : لبيان الجنس، أي : يُنَزِّل البَرَد، وهو الثلج المكور، من السماء، أي : الغمام العلوي، فكل ما علاك سماء، من جبال فيها كائنة من البَرَد، ولا غرابة في أن الله يخلق في السماء جِبَالَ بَرَدٍ كما خلق في الأرض جبال حجر.
قال ابن جزي : قيل : إن الجبال هنا حقيقة، وإن الله جعل في السماء جبالاً من بَرَد، وقيل : إنه مجاز، كقولك : عند فلان جبال من مال أو عِلم، أي : هن في الكثرة مثل الجبال. هـ. وأصله لابن عطيه. وقال الشيخ أبو زيد الثعالبي : حَمْلُ اللفظ على حقيقته أولى، إن لم يمنع من ذلك مانع. هـ. يعني : ولا مانع هنا، فيحمل على ظاهره، وإن الله خلق جبال بَرد في السماء. وقال الهروي عن ابن عرفة - يعنى اللغوي - : سمعت أحمد بن يحيى يقول : فيه قولان : أحدهما : وينزل من السماء بَرَدَاً من جباللافي السماء من برد، والآخر : وينزل من السماء أمثال الجبال من البَرَد. ويقال : إنما سمي برَدَاً ؛ لأنه يَبْرُدُ وجه الأرض أي : يُقشره. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٨٥