قال البيضاوي : إن الأبخرة إذا تصاعدت ولم يتخللها حرارة، فبلغت الطبقة الباردة من الهواء، وقوي البرد هناك، اجتمع وصار سحاباً، فإن لم يشتد البرد تقاطر مطراً، وإن اشتد، فإن وصل إلى الأجزاء البخارية قبل اجتماعها، نزل ثلجاً، وإلاّ نزل بَرَداً، وقد يبرد الهواء برداً مفرطاً فينقبض، وينعقد سحاباً، وينزل منه المطر أو الثلج. وكل ذلك لا بد وأن يُسْنَدَ إلى إرادة الواجب الحكيم ؛ لقيام الدليل على أنها الموجبة لاختصاص الحوادث بمحالِّها وأوقاتها، وإليه أشار بقوله :﴿فيُصيبُ به من يشاء ويصْرِفُهُ عمن يشاء﴾ والضمير للبرَد. هـ. أي : فيصيب بذلك البَرَد من يشاء أن يصيبه به، فيناله ما ناله من ضرره في بدنه وماله ؛ من زرع أو غيره. ﴿ويَصْرِفُه عمن يشاء﴾ أن يصرفه عنه، فينجو من غائلته.
﴿يكاد سَنَا بَرْقِهِ﴾ أي : ضوء برق السحاب، الموصوف بما مر من الإزجاء والتآلف.
وإضافة البرق إليه، قبل الإخبار بوجوده، فيه إيذان بظهور أمره واستغنائه عن التصريح به. وقيل : الضمير للسماء، وهو أقرب، أي : يكاد ضوء برق السماء، ويحتمل أن يعود على " الله " تعالى ؛ لتقدم ذكره، أي : يكاد ضوء برقه تعالى ﴿يذهب بالأبصار﴾، أي : يخطفها من فرط الإضاءة، وسرعة ورودها، ولو عند إغماضها. ﴿يُقلِّبُ الله الليلَ والنهارَ﴾ أي : يصرفهما بالتعاقب، فيأتي هذا بعد هذا، أو بنقصِ أحدهما وزيادة الآخر، أو بتغيير أحوالهما بالحر والبرد وغيرهما.
﴿إن في ذلك﴾، الإشارة إلى ما فصل آنفاً، أي : إن في إزجاء السحاب، وإنزال الودق، وتقليب الليل والنهار، ﴿لعبرةً﴾ ؛ لَدَلاَلَةً واضحة على وجود الصانع القديم، القائم
٨٦