بالأشياء، والمدبر لها بقدرته وحكمته، ﴿لأُولي الأبصار﴾ ؛ لذوي العقول الصافية. وهذا من تعدد الدلائل على ظهور نوره تعالى في الكائنات، حيث ذكر تسبيح مَنْ في السموات والأرض ما يطير بينهما وخضوعهم له، وتسخير السحاب وإنزال الأمطار، وتقليب الليل والنهار، إلى غير ذلك من لوامح الأنوار. والله تعالى أعلم وأحكم.
الإشارة : ألم تر أن الله يُزجي سحابَ الواردات الإلهية، تحمل العلوم اللدنية، ثم يُؤلف بينه حتى يكون قوياً، يُقتطع به صاحبه عن حسه، ويغيبه عن أمسه ورسمه، فترى أمطار العلوم اللدنية، والأسرار الربانية، والفتوحات العرفانية، تخرج من خلاله، أي : من قلب العارف، وهي نتائج الواردات وثمراتها. وفي الحِكَم :" لا تزكين وارداً لم تعلم ثمرته، فليس المراد من السحابة الأمطار، وإنما المراد منها وجود الأثمار ".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٨٥
وينزل من سماء الأرواح من جبالِ عقولٍ، فيها علم الرسوم الظاهرة، فيصيب به من يشاء، ممن أريد لحمل الشرائع والقيام بها، ويصرفه عمن يشاء، ممن أريد أن يكون من عامة الناس، أو من خاصتهم. إن هبت عليه رياح الحقائق، فأمطرت على قلبه العلوم الغيبية فأغنته عن العلوم الرسمية، يكاد سنا برقه الساطع لقلوب أوليائه، وهو سطوع أنوار الملكوت وأسرار الجبروت، فإنها تكون أولاً كالبرق، تلمع وتخفي، ثم يتصل ورودها وشروقها، فتكون متصلة البروق دائمة الشروق، نهار بلا ليل، واتصال بلا انفصال، ووصال بلا انقطاع. وفي ذلك يقول القائل :
طلعت شمسُ مَنْ أُحِبُّ بِلَيْلٍ
وَاسْتَنَارَتْ، فَمَا تَلاَهَا غُرُوبُ
إنَّ شَمْسَ النهار تَغْربُ بالليل
وشَمْسَ القُلُوبِ ليْس لَهَا مَغِيبُ
يقلب الله ليل القبض على نهار البسط، ونهار البسط على ليل القبض، حتى يتصل النهار بالخروج عنهما، ليكون لله، لاشيء دونه. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٨٥