يقول الحق جل جلاله :﴿والله خلقَ كلَّ دابةٍ﴾ أي : خلق كل حيوان يدب على وجه الأرض ﴿من ماء﴾ ؛ من نوع من الماء مختص بتلك الدابة، وهو جزء مادته عند الأطباء، أو : من ماء مخصوص، وهو النطفة، ثم خالف بين المخلوقات من تلك النطفة، فمنها أناسي، ومنها بهائم، ومنها هوام وسباع، وهو كقوله :﴿يُسْقَىا بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىا بَعْضٍ﴾ [الرعد : ٤] وهذا دليل على أن لها خالقاً مدبراً، وإلاَّ لم تختلف لاتفاق الأصل، وإنما عَرَّفَ الماء في قوله :﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء : ٣٠] ونكّرره هنا ؛ لأن المقصود ثمَّة أن أجناس الحيوان مخلوقة من جنس الماء، وأنه هو الأصل، وإن تخللت
٨٧
بينه وبينها وسائط، وأما هنا فالمراد نوع منه.
قالوا : إن أول ما خلق الله الماء، فخلق منه النار والريح والطين، فخلق من النار الجن، ومن الريح الملائكة، ومن الطين آدم ودواب الأرض. قاله النسفي. وعلى الثاني : تكون الآية أغلبية ؛ لأن مِن الحيواناتِ من يتولد من غير نطفة، كالدود والبَعُوضِ وغيرهما.
ثم فصّل أحوالهم بقوله :﴿فمنهم من يمشي على بطنه﴾ ؛ كالحية والحوت، وتسمية حركتها مشياً، مع كونها زحفاً، استعارة، كما يقال في الشيء المستمر : قد مشى هذا الأمر على هذا النمط، او على طريق المشاكلة ؛ لذكر الزاحف مع الماشين. ﴿ومنهم من يمشي على رِجْلين﴾ كالإنسان والطير، ﴿ومنهم من يمشي على أربع﴾ كالبهائم والوحش. وعدم التعرض لما يمشي على أكثر من أربع ؛ كالعناكب ونحوها من الحشرات ؛ لعدم الاعتداد بها، لقلتها. وتذكير الضمير في (منهم) ؛ لتغليب العقلاء، وكذلك التعبير بكلمة (مَن). وقدَّم ما هو أغرق في القدرة، وهو الماشي بغير آلة، ثم الماشي على رجلين، ثم الماشي على أربع.


الصفحة التالية
Icon