الإشارة : لقد أنزلنا من بحر الجبروت أنواراً ساطعة لعالم الملكوت، والله يهدي من يشاء إلى طريق شهود هذه الأنوار. فالطريق المستقيم هي التي تُوصل إلى حضرة العيان، على نعت الكشف والوجدان، وهي ثلاثة مدارج : المدرج الأول : إتقان الشريعة الظاهرة، وهي تهذيب الظواهر وتأديبها بالسُنَّة والمتابعة. والمدرج الثاني : إتقان الطريقة، وهي تهذيب البواطن وتصفيتها من الرذائل، فإذا تطهر الباطن، وكمل تهذيبه، أشرف على المدرج الثالث، وهو كشف الحقائق العرفانية والأسرار الربانية فتغطي وجودَ الأكوان. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٨٨
يقول الحق جل جلاله في شأن من لم يشأ هدايته إلى صراط مستقيم :﴿ويقولون﴾ أي : المنافقون ﴿آمنا بالله وبالرسول﴾ ؛ بألسنتهم، ﴿وأطعنا﴾ الله والرسول في الأمر والنهي، ﴿ثم يتولى﴾ عن قبول حُكْمِهِ ﴿فريقٌ منهم مِن بعدِ ذلك﴾ أي : من بعد ما صدر عنهم من ادعاء الإيمان بالله والرسول والطاعة لهما.
قال الحسن : نزلت في المنافقين، الذين كانوا يُظهرون الإيمان ويًسرون الكفر.
وقيل : نزلت في " بِشْر " المنافق، خاصم يهودياً، فدعاه إلى كعب بن الأشْرَف، ودعاه اليهودي إلى النبي ﷺ، فقال بشر : لا، إن محمداً يحيفُ علينا - قبح الله سعيه. وقيل : في المغيرة بن وائل، خاصم عليّاً رضي الله عنه في أرض وماء، فأبى أن يتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيا ما كان فصيغة الجمع تدل على أن للقائل طائفة يساعدونه ويشايعونه في تلك المقال.
ثم حكم عليهم بالكفر، فقال :﴿وما أولئك بالمؤمنين﴾ أي : المخلصين، والإشارة إلى القائلين : آمنا بالله وبالرسول، لا إلى الفريق المتولي منهم فقط، لئلا يلزم نفي الإيمان عنهم فقط، دون مَنْ قبلهم، بخلاف العكس، فإن نفى الإيمان عن القائلين يقتضي نفيه عنهم، على أبلغ وجه وآكده، وما فيه من معنى البعد ؛ للإشعار ببُعد منزلتهم في الكفر والفساد.
٨٩